القوة صفة الأنبياء والصالحين
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل أبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية كما جاء في كتب الفقه الإسلامي الكثير عن خلق العفة، وكما ذكرت كذلك الكثير عن أنواع العفة، ومنها عفة الجوارح، فالمسلم يعف يده ورجله وعينه وأذنه وفرجه عن الحرام فلا تغلبه شهواته، وكذلك عفة الجسد فالمسلم يستر جسده، ويبتعد عن إظهار عوراته وعلى المسلمة أن تلتزم بالحجاب، لأن شيمتها العفة والوقار.
وكذلك العفة عن أموال الغير، فالمسلم عفيف عن أموال غيره لا يأخذها بغير حق، وكما أن المسلم يتعفف عن مال اليتيم إذا كان يرعاه ويقوم على شئونه قال تعالى في شأنهم “ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف” وكما أن من أنواع العفة هو عفة المأكل والمشرب، فالمسلم يعف نفسه ويمتنع عن وضع اللقمة الحرام في جوفه، لأن كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به كما جاء في الحديث، وكما أن من أنواع العفة هو عفة اللسان، فالمسلم يعف لسانه عن السب والشتم، فلا يقول إلا طيبا، ولا يتكلم إلا بخير، فقال صلى الله عليه وسلم ” ليس المؤمن بالطعّان ولا اللعّان ولا الفاحش ولا البذيء ” رواه الترمذي، وكما أن من أنواع العفة هو التعفف عن سؤال الناس، فالمسلم يعف نفسه عن سؤال الناس إذا إحتاج، فلا يتسول ولا يطلب المال بدون عمل.
حيث قال صلى الله عليه وسلم “اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفّه الله، ومن يستغن يغنه الله ” رواه البخاري، واعلموا أن المؤمن بالله تعالي الواثق بنصر الله قوي وإن لم يكن في يده سلاح، وكذلك القوة صفة الأنبياء والصالحين، وبسبب قوة سيدنا موسي عليه السلام دفعت المرأتين إلى اختيار موسى عليه السلام، وذو القرنين يبنيِ السد ويطلب العون بقوة، وهكذا كانت القوة والثبات مبدأ أصيلا في دعوة الأنبياء جميعا عليهم الصلاة والسلام، وإن المؤمن بالله الواثق بنصر الله، وإن الرزق من عند الله عزيز وإن لم يكن وراءه عشيرة وأتباع وهو أيضا ثابت وإن اضطربت به مصائب الحياة، فالمؤمن أقوى من البحر بأمواجه والرياح بهبوبها والجبال وثباتها وصدق النبي صلى الله عليه وسلم القائل.
” لو عرفتم الله حق معرفته لزالت بدعائكم الجبال” وجاء في حديث رواه الامام احمد قول النبي صلى الله عليه وسلم “إن الله لما خلق الأرض مارت وتحركت فثبتها بالجبال فتعجبت الملائكة وقالت يارب هل خلقت خلقا أشد من الجبال؟ قال نعم الحديد يفتت الجبال، فقالت الملائكة هل خلقت خلقا أشد من الحديد ؟ قال نعم النار تذيب الحديد، فقال الملائكة يا رب هل خلقت خلقا أشد من النار؟ قال نعم الماء تطفئ النار، فقالت الملائكة هل خلقت خلقا أشد من الماء؟ قال نعم الرياح، فقالت الملائكة يا رب هل خلقت خلقا أشد من الرياح؟ قال نعم المؤمن إذا تصدق بالصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه هو عندي أقوى من ذلك كله” فكم نحن بحاجة الى المؤمن القوي الذي يتماسك أمام المصائب ويثبت بين يديِ البلاء راضيا بقضاء الله وقدره، وقد صوّر هذا رسولنا صلى الله عليه وسلم بقوله.
“عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له” رواه مسلم، كم نحن بحاجة الى القوة في ضبط النفس والسيطرة عليها، قال صلى الله عليه وسلم ” ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب” رواه البخاري، فكم نحن بحاجة إلى الفرد القوي بدينه القوي بإيمانه الواثق بنصر الله وتأييده المؤمن بأن الرزق والأجل ليس بيد أحد إلا الله عز وجل، ويروي لنا أبي بردة عن أبيه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون” رواه مسلم.

