المقالات

قراءة في النص والتأويل

للشاعر أحمد فخري الأسواني

قراءة في النص والتأويل

للشاعر أحمد فخري الأسواني

أولا: النص خيال ميت.. حي

خلف تقاطيع طفولية .. وجسد صغير .. كانت تشاغلني ، تلك البنت التي تسكن أمامي ، كل مساء .. وأنا اطل من شرفتي .. وهى جالسة في شرفتها .. تطالع كتابها .. وتقرأ بنصف عين وتخصني بالنصف الآخر ..ألقى تحية المساء ..فترد البنت وعلى وجهها نصف ابتسامة : –

مساء الخير ياعمو أتنهد ..وأدخل شقتي الباردة ..افتح الثلاجة ، و أغلقها ..أتحسس حبات طماطم باردة ..اقطع بتمهل خيارة صغيرة ..أتلمس برودة الأرضية ..أرسم على وجهي ابتسامة عريضة ..اركل جهاز التكييف لكي يكف عن الزن ..افرش الترابيزة المدورة ذات الكراسي السبع الخالية ..وعلى الركن الخاص بى أضع الإطباق ..أتأمل نفسي ، واصلي في سرى صلاة لا اعرفها .. وأتخيل أنى ابتسم لهند الصغيرة ..وأنهر ليلى ..واصفق لحنان ..فيما تكون كوثر قد سكبت عصير الطماطم على ملابس كاميليا ..أجرى بها إلى الحمام ، واخلع عنها ملابسها ..وهى تطوح بضفيرتيها وتصرخ في بشدة ..متعبا أجلس ..وألملم ما تركه لي أبى خمس بنات وولد ..أحكى لهم عن سندريلا والغول وبنت السلطان .. فيتدخلوا ويناموا متماسكين كبناء واحد ..وأنا مستكين في وسط الكنبة ..أشعر بدفء الأجسام ..لحظات بعدها أجرى إلى أماكنهم أتحسس دفء الأسرة ..وألملم تلك المشاغبات . على صوت دقاتها انتبهت .. إلى أن يدها الصغيرة تدق على الباب الخارجي ..بعدما تعبت من استعمال الجرس ..أفتح الباب ، فيطالعني وجه البنت ..وهى تنظر إلى الأرض ، في حين يهمس فمها الصغير بكلمات متلعثمة : – ماما بتقول حضرتك هات المفرمة أتوقف للحظات ..وإنا أتابع تقاطيع وجهها ..والارتباك الطفولى يحتوى أجمل ما فيها ..أدخل وأعود وأناولها المفرمة .. ويدي الأخرى تتحسس ضفيرتيها ..وهى تنفك منى ، وشبه ابتسامة صغيرة تحاصرني ..أغلق بابي .. واضىء أنوار شقتي ..وأدخل المطبخ وأخرج ، وأنا أنقل الطعام بفرح ..أدور في أرجاء الشقة .. أحس بالسعادة وأنا أفتح الحجرات ، وأغلقها ..ادخل حجرة نومي وأحاول أن أنام ..لكنى لا استطيع فأنهض وأدور من جديد .. فألمح على الرف دفتر ذكرياتنا يقبع مستكينا بين أشيائنا القديمة ..على غلافه الخارجي كتبت بخط واضح هام تحسسته بقلق .. وفتحته بحزن .. ومررت على مراحل عمر وعمرهن . استيقظت في صباح اليوم التالي ودفتر ذكرياتنا مفتوح على صورهن في ملابس الفرح ..لملمت دفاترنا ..ووضعته مكانه ..ثم حاولت أن ارتب ما سوف افعله في يومي ..لدهشتي لم أجد شيئا يستحق أن اهتم به ..هززت رأسي وأسرعت افتح باب شرفتي .. فقابلني وجه أم البنت في غبشة الصباح .. وهى تنشر ملابس صغارها وتتأملني ثم تنحني داخل الشرفة وتظهر من جديد بمقدمة رأس عارية تحمل بين كفيها .. قطعة من ملابس صغيرتي .. أحسست بالفرح وهى تطالعني على أسرارها .. وعندما أطلت النظر .. أحسست بصوتها يزجرني وهو يزعق : – صباح الخير يااستاذ انتفضت وبخجل طوحت بصري عنها وانأ أتمتم : – صباح الخير . تصبب عرقي ..وأسرعت إلى دفتر ذكرياتي ..أتحسسه واهرب به إلى زاوية حجرة نومي .. أتدثر ببرودة الحوائط .. لعلى اشعر ببعض الدفء ..وبعض الأمان ..أسمع صوت خطواتها تنقر بفرح دفتر ذكرياتنا ..وقع أقدامها لا يتوقف ..فأتخيلها على الدرج الأخيرة .. وإصبعها يطير في الهواء ..ليدق الجرس ..تن ..تن ..تن..صوت الجرس عال ..وأنا ارتجف ..وأتحرك يمينا ويسارا ..وأتداخل بين زوايا حجرة نومي ..تن ..تن ..صوت الجرس لا يكف ..وأنا ألملم ما تبعثر داخلي ..وصغيرتي تدق بقوة .. وأنا أخاف أطوح بزراعي واسقط على الأرض بينما صوت أقدامها يعود من جديد . ————————————–بقلم القاص //محمد الليثي محمد
******************8**********
ثانيًا : القراءة
يقول الناقد جيرار جينتز في كتابه “عتبات ” (SEUILS) الصادر عام1987 ان قراءة عتبات النص اهم هام للولوج في روح النص السردي وقسم العتبات إلي عتبات محيطة ومن أهم عتبات أي نص هو العنوان وفي قراءتنا لعنوان القصة التي يطرحها القاص محمد الليثي نجد أنها تتكون من ثلاث كلمات خيال ميت.. حي ونلاحظ هنا التناقض الواضح ما بين الموت والحياة والخيال فهل الموت الذي يقصده القاص هو موت حقيقي أم موت حسي والإجابة أن الخيال لا يمكن أن يصاحب إلا الأحياء مما يعني أن الموت المذكور كنوع للنص هو في الأساس موت حسي وليس موت حقيقي ومن هنا يمكننا أن نلج إلي النص السردي الذي امامنا ونحن نحمل معنا أسئلة فرضها العنوان كمثل ما هذا الخيال؟ ولماذا هو ميت؟ وما السر وراء هذا الموت الحسي الذي يذكره ونجد هنا أن العنوان قد حقق المطلوب منه فوسط زخم القصص القصيرة المنشورة في كل مكان يجب أن يشد العنوان القارئ ويجعله يطرح عدد من الأسئلة الضمنية التي يطرحها النص وقد نجح القاص هنا في إثارة فضول القارئ وفي جذب انتباهه وفضوله لكي يقرأ النص الذي يطرحه المبدع محاولاً أن يجد الإجابة علي تلك الأسئلة التي طرحها ذهنه ومن خلال قراءتنا للنص نجد أن أول ما بدأ به المبدع قائلاً : خلف تقاطيع طفولية… وجسد صغير .. كانت تشاغلني ونلحظ هنا أن المبدع قصد أن يزيد من فضول القارئ فبعد العنوان الذي يطرح العديد من الأسئلة يصادفنا القاص بصورة جميلة قد لا تتفق مع ما كنا محملين به حين الدخول إلي النص ولكنه يزيد الأسئلة التي حملنا بيها سؤال هام ما الذي يوجد خلف هذه التقاطيع الطفولية والجسد ولماذا كانت تشاغله ثم يكمل بمقطع مملوء بالدفع والشاعرية حتي يصل إلي أن نكتشف مع القاص أنه رجل كبير وأن هذه الطفلة كانت تناديه بعمو خلف تقاطيع طفولية .. وجسد صغير .. كانت تشاغلني ، تلك البنت التي تسكن أمامي ، كل مساء .. وأنا اطل من شرفتي .. وهى جالسة في شرفتها .. تطالع كتابها .. وتقرأ بنصف عين وتخصني بالنصف الآخر ..ألقى تحية المساء ..فترد البنت وعلى وجهها نصف ابتسامة : – مساء الخير ياعمو وبرغم أن بداية هذا المقطع تبدو دافئة للغاية فهي تعبر عن مشاعر نبيلة بين طفلة صغيرة ورجل كبير في السن ولكن القاص ينقلنا فجأة إلي شعور مضاد تمامًا لهذا الدفء الذي شعرنا به من المقدمة حيث يقول أتنهد ..وأدخل شقتي الباردة ..افتح الثلاجة ، و أغلقها ..أتحسس حبات طماطم باردة ..اقطع بتمهل خيارة صغيرة ..أتلمس برودة الأرضية ..أرسم على وجهي ابتسامة عريضة ..اركل جهاز التكييف لكي يكف عن الزن ..افرش الترابيزة المدورة ذات الكراسي السبع الخالية ..وعلى الركن الخاص بى أضع الإطباق ..أتأمل نفسي ، واصلي في سرى صلاة لا اعرفها .. نجد البرودة هنا مسيطرة على كل شيء الشقة / الثلاجة / الطماطم / الأرضية / التكييف وهي برودة حقيقية نجد أن هناك نوع أخر من البرودة وهو الوحدة برغم وجود ترابيزة مدورة عليه سبع كراسي كاملة فهذه الوحدة الذي يعيش فيها بطل القصة هي السر الحقيقي ورا كل البرودة الذي يشعر بها ووراء المشاعر المتضاربة وربما حتي وراء اسم القصة فهذا الرجل الذي يشعر بالوحدة تجعله يشعر كأنه ميت برغم أنه حي وهنا يمكن أن نفك طلاسم العنوان الذي وضعه القاص لنصه ولكن ليس علي القاص فقط أن يصف لنا الحدث ولكن عليه أيضًا حتي تكون القصة القصيرة قصة مكتملة الأركان أن يوضح لنا لماذا حدث هذا الحدث وإلا أصبحت القصة القصيرة مجرد خبر او حكاية تفتقد لعناصر عام من عناصرها. يأخذنا القاص إلي مقطع مهم في القصة وتعتبر هي نقطة التنوير الحقيقة في القصة حيث يقول وأتخيل أنى ابتسم لهند الصغيرة ..وأنهر ليلى ..واصفق لحنان ..فيما تكون كوثر قد سكبت عصير الطماطم على ملابس كاميليا ..أجرى بها إلى الحمام ، واخلع عنها ملابسها ..وهى تطوح بضفيرتيها وتصرخ في بشدة ..متعبا أجلس ..وألملم ما تركه لي أبى خمس بنات وولد ..أحكى لهم عن سندريلا والغول وبنت السلطان .. فيتدخلوا ويناموا متماسكين كبناء واحد ..وأنا مستكين في وسط الكنبة ..أشعر بدفء الأجسام ..لحظات بعدها أجرى إلى أماكنهم أتحسس دفء الأسرة ..وألملم تلك المشاغبات . وهنا يمكننا أن نربط أجزاء القصة التي قد تبدو مبعثرة ونعرف لماذا كان ينظر لهذه الطفلة فما هي إلا صورة لأخوته الذين تركوه بعد أن كان البيت يعج بالضجيج فهو الأبن الأكبر وهو الذي كان مسئولاً عن تربية أخوته من بعد أبيه واحسن القاص حين قال أنهم كانوا كالبناء متماسكين كما أنهم كانوا بالنسبة له سر الدفء وهذا سرًا آخر للبرودة التي كان يشعر بها في البداية فهو يفتقد لهذا الدفء العائلي وربما لا يجده إلا في لحظات نظره لتلك الفتاة الجميلة الصغيرة فهي تذكره بأخوته الذين تركوه وحيدًا حيًا ولكنه ميت في وحدته ثم بعد أن شرح لنا القاص ما السبب في الحدث ثم يعود بنا القاص إلي أحداث جديدة للقصة بعد أن يعطينا مفتاح لفك كل الشفرات الموجودة في باقي النص فشعور الوحدة بعد زواج أخوته هو السبب والمحرك الرئيسي في هذه العلاقة التي نشأت ما بينه وبين هذه الفتاة الصغيرة التي تجعله يشعر أنه مع أخوته الذين لا يجدهم إلا في دفتر مذكراته ومن الجميل والذي يجب أن نشيد إليه هنا أن القاص يحاول أن يخلق له أسلوب خاص في القصة فإن كانت نقطة التنوير تأتي غالبا في نهاية القصة فهنا القاص أتي بها في منتصف القصة ولكنه لم يكشفها تمامًا حتي نكون علي استعداد أن نتلقي باقي القصة ونحن متشوقين لما يمكن أن يحدث وهذا شيء يجب أن نشيد به عند قراءتنا لهذه القصة الجميلة للقاص الجميل محمد الليثي ……..
بقلم الشاعر / احمد فخري الأسواني
اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار