ادب وثقافةقصة

المجرم العاشق

جريدة موطني

قصة قصيرة ..
المجرم العاشق
بقلمي زينب كاظم ….
كانت زينة انسانة جميلة ممشوقة الطول رشيقة الجسد تملك حسا مرهفا فهي بأختصار انسانة حقيقية لذلك فهي اختارت اختصاصا معقدا لكنه يساعد الناس على التشافي من الصدمات والأزمات النفسية والأمراض النفسية المستعصية اذ انها درست الطب النفسي فأبدعت فيه فكانت تقضي ساعات طويلة بقراءة التقارير والكتب والبحوث الطبية الخاصة بالطب النفسي بل أنها أصبحت تلتهم كل مكتوب سواء أكان كتابا أم تقارير ودراسات نشرت على المواقع الألكترونية المختلفة فصارت هي أيضا كاتبة مبدعة في مجالها وباتت تكتب مقالاتا متعددة والفت كتابين عن الأمراض النفسية الغريبة والنادرة فأصبحت موضع ثقة لكل المؤسسات الأنسانية والنفسية فصاروا يبعثونها الى المستشفيات النفسية والسجون ودور المسنين والمدارس وغيرها لتشخيص الحالات ومعالجتها ووضع النقاط الخاصة بطرق العلاج والأسباب التي أدت بالمريض الى هذه الحالة ومن ثم كتابة تقارير عن حالاتهم وتقديمها الى الجهات المختصة وفي أحدى المرات كانت هناك حالة غريبة جدا في أحد السجون الأنفرادية لشخص مجرم متسلسل(سايكو)اذ ذهب اليه أطباء من الرجال المختصين بالحالات النفسية المركبة الغريبة لكن كل هؤلاء الأطباء كانوا يخافون هذا الأنسان ولم يجدوا له مسمى أو عنوان محدد لحالته رغم أنهم كانوا يتحدثون معه من خلف القضبان الحديدية المتعددة لكنهم في هذه المرة أختاروا زينة فهي الخبيرة والمروضة لأصعب الحالات لكنها لم تكن تعرف نتائج اللقاء مع هذا الأنسان الغريب والمجرم الخطير ،بدأ العد التنازلي على موعد لقاءها الأول به حتى جاءت تلك اللحظة التي التقته بها من خلف القضبان والأسوار العديدة والضيقة ودوما اللقاء الأول هو ما يظل عالقا في البال فبدأت بتحليل ملامحه ولغة جسده أولا فكان أبيض البشرة أشقرا لكن السلطات المختصة أمرت بحلق شعره بالكامل فكان أصلعا تميل بشرته للحمرة أما عينيه فكانت زرقاء كلون البحر وملامحه طفولية فكانت هذه أول اخفاقة من زينة لأنها لم تستطيع دراسة ملامحه ولغة جسده بصورة دقيقة ،كانت في البداية واقفة ومن ثم جلست فبدأت رحلتها لدراسة شخصيته المركبة والمعقدة فسألته في بادئ الأمر عن طفولته فتحدث لها عن طفولة سيئة جدا فقال لها بأن والدته توفت أثناء ولادته وأنه لا يملك لا أخا ولا أختا وبعد وفاة والدته بسنة واحدة فقط تزوج والده من امرأة نحيفة وطويلة جميلة الوجه والقوام وكان والده يعشقها بجنون وكانت تمارس كل طرق الأغواء معه فأحبها لدرجة أنه كان يرضى لها أن تعذب ولده الوحيد فحكى ذلك المجرم عن تفاصيل كثيرة منها أن تلك السيدة التي تزوجها والده كانت تحضر رجالا الى بيتها بغياب والده وكانت تمنع عنه الطعام وتشربه كمية كبيرة من السوائل ومن ثم تمنعه من الذهاب للحمام واذا تبول على نفسه أخبرت والده فيقوم الأب بضربه ضربا مبرحا وكانت تطرده خارج المنزل بالحر والبرد وتكويه بالملعقة الحارة وغيرها من أساليب التعنيف والتعذيب ، وبعد سنوات طويلة من زواجه منها توفي الأب بطريقة غامضة اذ وجد مزرقا وميتا على سريره فهربت هي بعد أن كتب لها والده كل ممتلكاته قبل وفاته فكان والده يملك بيوتا فارهة وسيارات ومعارض لبيع السيارات ويسترسل المجرم قائلا أن هوسه أصبح بالحياة أن يعثر على تلك السيدة كي يقتلها لكنه لم يقتلها أنما وصله خبر مقتلها على يد أحد عشاقها فيقول صارخا ماتت وتركت حسرة كبيرة وهوس لقتل كل امرأة جميلة لأنني كنت أرى وجه زوجة أبي في وجوه كل النساء الممشوقات ويكمل قائلا أن أمه أيضا كانت ثرية ولديها محلات لبيع المكياج والأكسسورات والجواهر الخاصة بالنساء فورث منها ثروة لا بأس بها وأخذ يوسعها بطريقة ذكية فأصبح تاجرا ثريا وكانت تلك المحلات الطعم الذي يصيد فيه الجميلات فهو بالأضافة الى ثراءه كان طويلا ممشوقا يملك عضلاتا كبيرة ومفتولة وجسدا جذابا ووجها محبوبا من قبل السيدات بالأضافة الى اللباقة في الحديث فقد درس اللغة العربية وحفظ كل قصائد الغزل والشعر وكان هدفه النساء الوحيدات اللواتي لا يملكن أهل كي لا يسأل عنهن أحد بعد اختفاؤهن فكان يستدرجهن لبيته ويغويهن بأجمل الهدايا وأعذب الكلمات ومن ثم يقوم بقتلهن بطريقة بشعة فهو كان لديه فرنا عملاقا يرمي به السيدات وسط طقوس خاصة به مثلا يبكي تارة ويضحك تارة بطريقة هستيرية ويشغل موسيقى حزينة ومن ثم يحمل السيدة أو الفتاة ويقبلها بعنف قبلة أخيرة ومن ثم يدفع بها الى هاوية الفرن العملاق وقتل عشرات النساء بهذه الطريقة حتى صار يسمى سفاح النساء وما أن حكى تلك القصة الى زينة قالت له بمهنية أنتهت الجلسة ولنا لقاء اخر وكتبت ملاحظاتها ومن ثم ذهبت ،حتى جاء موعد ثاني جلسة فسألته بعض الأسئلة عن الشعر الذي يحفظ وذوقه فيه وهل له ابداعات خاصة به فقرأ لها قصائدا باللهجة العامية واللغة العربية الفصحى وكأن في رأسه مكتبة كاملة من كتب الشعر الغزلي وقرأ لها أشعارا من أبداعه الخاص فظهر جانبا من شخصيته لم يكن معروفا عند من أرادوا دراسة حالته لكن زينة بذكاءها وخبرتها بوضع الأسئلة وبشخصيتها الجذابة جعلته يسترسل بالحديث وسألته عن عدم زواجه من انسانة يكمل معها حياته ويتشافى معها من هذا الحقد الدفين على السيدات ويصبح أبا ويدلل أولاده فأجابها بأن هدفه في الحياة كان قتل أكبر عدد من النساء ويراهن يحترقن أمامه كي يتشفى بهن وينتقم بهن من زوجة أبيه الشريرة ،فتوالت الجلسات جلسة تلو الجلسة وأحيانا كانت زينة تشتاق لشعره وطريقة القاءه والكاريزما التي يملكها ولباقته التي قل نظيرها ،لكن ما أن بدأت الجلسات على وشك الأنتهاء طلب منها أشياء بسيطة جدا مثل أوراق عادية وأوراق مقواة وقلم تلوين أحمر وجهاز تسجيل صغير وبدائي وعيدان خشبية فكانت كلما تأتي ينظر اليها من نافذة صغيرة جدا وما أن يسمع خطواتها حتى يفاجأها بشيء جديد مثلا تجده بذل جهودا عملاقة لعمل عربة من الورق وصنع عجلات من الورق المقوى ووردة من نفس ذلك الورق ولون الوردة بقلم التلوين الأحمر ووضع رسالة حب وغزل وشعر وعلقها في تلك العربة وسجل بجهاز التسجيل أغاني تخص الأم مثل( ماما زمانها جاية) أو (يا ست الحبايب)أو اغنية حب ومن ثم يسير العربة بعود خشبي طويل كي يستقبلها بها قبل أن تصل له ببضع خطوات فصار يرى فيها أما وصديقة وحبيبة وكان يقول لها بأنه حلم بقلبها الأبيض ينبض جنبه وأحيانا يطلب منها أن تمد أصابعها من بين الأسوار والقضبان فيقوم بتقبيل أناملها واحدا واحدا بكل حب وبتعطش فعشقته تلك الباحثة المهنية والأنسانة الحقيقية لكنها باتت في صراع دائم بين مهنيتها وأن الكل من زملاءها والمختصين والمشرفين على السجن ينتظرون البحث والتقرير عن الحالة بفارغ الصبر وبين حبها وأصبحت الأسئلة تتراكض ووتتطارد في رأسها كفئران تركض خلف وهم أسمه قطعة جبن فتارة تجده الحبيب وفارس الأحلام وتارة تراه مجرما ممكن أن يجعلها في خانة ضحاياه يوما ما، علما انها انسانة تعرضت للتعنيف من قبل زوج أمها لكنها عكس ذلك الرجل صنعت من ذلك الألم ارادة فولاذية تتحدى المستحيل وبنت جدارا انسانيا عملاقا وأصبحت سندا من بعد الله لكل ضعيف ومنهار حتى جاء موعد المحاكمة فحضرت وقدمت بحثا لم يخطر على بال أحد يتحدث عن الحالة بحيادية وموضوعية وقالت أن حالته تميل للشر وواجب السلطان اتخاذ الأجراءت اللازمة لأنه يعاني من حالة نفسية وليس جنون وأن كلما قام به كان واعيا له فحكمت المحكمة عليه بالأعدام شنقا حتى الموت فعندما سمع الحكم أخذ يصرخ وهي جالسة أمامه حبيبتي لا تتركيني وكان اخر طلب هو أن يراها من خلف القضبان وعن بعد فلبت الطلب وفي يوم تنفيذ الحكم أعدم فأعدمت قلبها معه فعاشت باقي عمرها عقل بلا قلب ووجه جميل بلا ابتسامة .

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار