
المقتول بسبب قوله كلمة الحق للحاكم
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله على إحسانه والشكر له سبحانه وتعالى على إمتنانه، ونشهد بأنه لا إله إلا الله تعظيما لشأنه، وأن محمدا عبده ورسوله داع لرضوانه، وصلّ اللهم عليه وعلى آله وخلانه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد إن من أنواع الشهداء في الإسلام هو شهيد الدنيا وهو من غل من الغنيمة أو مات مدبرا، أو من قاتل لتعلم شجاعته، أو طلبا للغنيمة فقط، وأيضا من الشهداء هو شهيد الآخرة، وهو من أثبت له الشارع الشهادة، ولم تجري عليه أحكامها في الدنيا، أي أنه كباقي الموتى يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن، وقد جعلهم الشارع في حكم الشهداء، لخصلة خير اتصفوا بها، أو لمصيبة أصابتهم فقدوا فيها حياتهم، وقد ذكر العلماء، بناء على ما ورد من الأحاديث النبوية الشريفة أن شهداء الآخرة كثيرون، وقد عدها الإمام السيوطى ثلاثين، وأوصلها بعضهم إلى الخمسين.
فمن ذلك طالب الشهادة، والمطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، وصاحب ذات الجنب، والحريق، والمرأة تموت بالنفاس، والمقتول دون ماله، والمقتول دون مظلمته، أو دون دينه أو أهله أو دمه، والميت بالغربة، والمواظب على قراءة آخر سورة الحشر العامل بما فيها، وطالب العلم، والمقتول صبرا، والمقتول بسبب قوله كلمة الحق للحاكم، وأما عن غسل الشهيد وتكفينه، فإن الشهيد الذي قتل بأيدى الكفار في المعركة لا يغسل، عند جمهور العلماء، وإن كان جنبا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغسل حنظلة الراهب، وقد استشهد جنبا، ويكفن الشهيد في ثيابه الصالحة للكفن، ويدفن في دمائه، ولا يغسل شيء منها، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تغسلوهم” فإن كل جرح أو كل دم يفوح مسكا يوم القيامة ولم يصل عليهم “رواه أحمد.
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدفن شهداء أحد في دمائهم، ولم يغسلوا “رواه البخاري، وقال الشافعى لعل ترك الغسل والصلاة لأنهم يلقون الله بكلومهم، وأما عن تعريف الشهيد الذي لا يغسل ولا يصلى عليه، فقد ذهب الفقهاء إلى أن من قتله المشركون في القتال، أو وجد ميتا في مكان المعركة وبه أثر جراحة أو دم، لا يغسل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد ” زملوهم بكلومهم ودمائهم “رواه أحمد، ولم ينقل خلاف في هذا، وقد ذهب المالكية والشافعية إلى أن كل مسلم مات بسبب قتال الكفار حال قيام القتال لا يغسل، سواء قتله كافر، أو أصابه سلاح مسلم خطأ، أو عاد إليه سلاحه، أو سقط عن دابته، أو رمحته دابة فمات، أو وجد قتيلا بعد المعركة ولم يعلم سبب موته، سواء كان عليه أثر دم أم لا، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، والحر والعبد، والبالغ والصبى.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع ” رواه أحمد والترمذي، وقال الخطابي معناه الدعاء له بالنضارة وهي النعيم والبهجة، وقال الإمام السيوطي رحمه الله “قال أبو عبد الله محمد بن احمد بن جابر ” إي ألبسه الله نضرة وحسنا وخلوص لون وزينة وجمالا، أوصله لنضرة الجنة نعيما ونضارة، وقال تعالى ” ولقاهم نضرة ” وكما قال تعالي ” تعرف في وجوههم نضرة النعيم ” وقال ابن القيم رحمه الله فإن النضرة البهجة والحسن الذي يكساه الوجه من آثار الإيمان وإبتهاج الباطن به وفرح القلب وسروره والتلذاذه به فتظهر هذه البهجة والسرور والفرحة نضارة على الوجه ولهذا يجمع له سبحانه بين البهجة والسرور والنضرة، وقال المباركفوري رحمه الله نضر الله أمرأ.
المعنى خصه الله بالبهجة والسرور لما رزق بعلمه ومعرفته من القدر والمنزلة بين الناس في الدنيا ونعّمه في الآخرة حتى يرى عليه رونق الرخاء والنعمة، وقال الشيخ بن عثيمين رحمه الله المراد بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للإنسان إذا سمع حديثا عن رسول الله فبلغه أن يحسن الله وجهه يوم القيامة، وتمام ذلك أن يفوز بالنظر إلى وجه لله عز وجل فينال من النضارة والنعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
المقتول بسبب قوله كلمة الحق للحاكم