مقالات

المناصب تكليف وليست تشريف

—المناصب تكليف وليست تشريف
هنا نابل بقلم المعز غني

المناصب تكليف وليست تشريف
وتدور الدوائر على كل الطغاة …. يعكس الواقع الليبي

في زمنٍ تتغير فيه الأحوال ، وتشتدّ فيه الأزمات ، تتضح معاني المسؤولية الحقيقية ، وتنكشف النفوس بين من يرى المنصب عباءة فخر ، ومن يراه عبء أمانة .
ونحن اليوم في ليبيا الحبيبة ، أحوج ما نكون إلى من يفهم أن المنصب ليس تشريفًا يرفع صاحبه فوق الناس ، بل تكليفًا يُلزمه بخدمتهم والعدل بينهم .
كم من مسؤولٍ تقلّد منصبًا ، فظنّ أنه إمتياز شخصي ، يحق له من خلاله أن يأمر وينهى ، أن يركب سيّارة فاخرة ، ويجلس خلف طاولة واسعة ، وينسى أن تلك الطاولة ما وجدت إلا لتُحل عندها مشاكل الناس وتُسمع شكاواهم …!
في وطنٍ جريح كليبيا ، حيث يتطلع المواطن البسيط إلى الأمن والإستقرار ، وإلى لقمة العيش بكرامة ، تصبح المناصب مسؤولية عظيمة ، فكل قرار قد يُبني عليه مستقبل طفل ، أو يُضيّع حق أسرة وكل تأخير في أداء الواجب ، قد يُطفئ حلم شاب ، أو يُوجِع قلب أم .
نحن لا نحتاج في هذه المرحلة إلى مسؤول يرفع صوته في الإجتماعات ، بل إلى من يرفع همّة وطنه ويخفض عن الناس الأعباء .
لا نحتاج إلى من يتزيّن بلقب ، بل إلى من يُزيّن اللقب بالعمل والصدق والتواضع.
لقد كانت المناصب في زمن العظماء ، كعمر بن الخطاب وعمر المختار ، وسيلةً لنصرة الحق وخدمة الشعب ، لا وسيلة للترف أو السيطرة .
واليوم يحتاج وطننا إلى من يسير على أثرهم ، ويجعل من منصبه منبرًا للعدل ، لا للظلم وسلاحًا للبناء ، لا للهدم.

فلتكن هذه الكلمات تذكرة لكل من تحمّل أمانة ، أن المناصب زائلة ، لكن الأثر الطيب في قلوب الناس لا يزول .

ما أكثر الذين يتهافتون على المناصب ، يظنونها تاجًا يُزيّن رؤوسهم ، أو سلّمًا يعلو بهم فوق الناس … ! ولكنّ الحقيقة أعمق من ذلك بكثير ، وأشرف من أن تُختزل في مظهر أو سلطة. فالمناصب في جوهرها تكليفٌ لا تشريف ، ومسؤولية لا زينة .
حين يُولّى الإنسان منصبًا ما ، فإنما يُحمّل أمانة ويُطالب بأن يكون خادمًا للحق ، ساهرًا على المصلحة العامة ، عادلًا بين الناس . وليست المناصب أبدًا بابًا للترف أو وسيلة للتسلّط ؛ بل هي ميدان يُختبر فيه الإخلاص ، وتُقاس فيه الرجولة والضمائر الحيّة.

أنظر إلى القادة العظام ، إلى من نقشوا أسماءهم في ذاكرة التاريخ : عمر بن الخطاب الذي كان يقول: ” لو أن بغلةً تعثّرت في العراق ، لسُئل عنها عمر : لماذا لم تمهّد لها الطريق ؟ “، لم يرَ الخلافة شرفًا بل عبئًا وكذلك كل مَن حملوا المسؤولية بحق كانوا ينامون آخر من ينام ، ويستيقظون قبل أن تستيقظ الشمس، يراقبون الرعية لا الرعايا …

المناصب تكليف لأنها ترتبط بمصائر الناس ، بحياتهم وكرامتهم وأرزاقهم ومن إعتلاها ظانًّا أنها شرفٌ شخصيّ ، سرعان ما يسقط من أعين الناس ويخسر إحترام نفسه قبل إحترام الآخرين.
أما من رآها مسؤولية ، فإن سُلب المنصب بقيت له القيم ، وبقيت له المحبة في قلوب الناس.
فليكن المنصب وسيلة للعطاء لا غاية للزهو ، ولْيكن من يتقلّده كالجندي في ميدان الواجب ، لا كالمُترف في قصرٍ من وهم.

▪︎ واللبيب بالإشارة يفهم ▪︎

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى