
الهجرة.. وعيٌ وإدارةٌ ونجاة
بقلم أشرف ماهر ضلع
حين نقف على عتبة الهجرة النبوية، لا نراها مجرد انتقال جغرافي بين مكة ويثرب، بل نقرأها كمخطط عبقري في إدارة الأزمات، وعنوان لحكمة سياسية تجاوزت الزمان والمكان. ثلاث كلمات تختصر عمق التجربة: وعي، إدارة، نجاة.
الوعي: استشراف الأزمة وتقدير اللحظة
الهجرة لم تكن ردّة فعل انفعالية، بل كانت ثمرة وعيٍ عميقٍ بالأزمة. قراءة متأنية للمشهد، ورصدٌ دقيق للتحولات الاجتماعية والقبلية. كان الرسول الكريم ﷺ يعلم أن الصدام المباشر مع قوى الاستبداد القبلي دون حاضنة حرة، هو انتحار للمشروع لا للذات.
الإدارة: تخطيط محكم وتنفيذ مرن
جاءت الهجرة بخريطة زمنية دقيقة، وأدوار موزعة، وسرية محكمة، تؤكد أن إدارة الأزمات ليست ارتجالًا، بل فنٌّ قائم على: جمع المعلومات، توزيع المهام، والاعتماد على عناصر الثقة. في الهجرة نلمح ما يشبه الحكومة المصغرة، والمركز القومي لإدارة المخاطر، والمخابرات الشعبية، والتمويل اللوجستي، جميعها اجتمعت في عقول محدودة ولكن بنظام صارم.
النجاة: مشروعٌ لا نجاة أفراد
الهدف لم يكن الهرب من القتل، بل الحفاظ على الرسالة من الفناء. كانت الهجرة انتقالًا من الضعف إلى التمكين، ومن الانكماش إلى التوسع، ومن الطائفة إلى الدولة. وكان أبرز معانيها: أن النجاة الحقيقية لا تكون بسلامة الأجساد فقط، بل بسلامة الفكرة.
فماذا نتعلم؟
في واقع سياسي يضج بالأزمات والقرارات المرتبكة، تأتي الهجرة درسًا في الحوكمة الرشيدة والإدارة بالأهداف. فليس الأهم أن نواجه العاصفة، بل أن نعرف متى نتماهى معها، ومتى ننسحب لنعود أقوى.
إذا أردنا أن ننجو من أزماتنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فعلينا أن نهاجر من الفوضى إلى النظام، من الارتجال إلى التخطيط، ومن رد الفعل إلى المبادرة.
الهجرة ليست ذكرى تُروى، بل خريطة تُحتذى.
الهجرة.. وعيٌ وإدارةٌ ونجاة