الرئيسيةقصةامرأة في حياتي الفصل الثالث –
قصة

امرأة في حياتي الفصل الثالث –

امرأة في حياتي الفصل الثالث –

امرأة في حياتي

الفصل الثالث –
بقلم: فايل المطاعني

التحاليل والدهشة

جلس الدكتور هاني أمام التحاليل، عينيه تتفحص الأرقام بدقة، وكأن كل رقم يحمل قصة عن حياة حميد، ثم رفع رأسه ونادى بصوت دافئ وحازم:
— نادية… نادية!

ارتجفت شفتا نادية بابتسامة خفيفة، وشعرت بدقات قلبها تتسارع:
— نعم، يا دكتور؟

قال الدكتور بعينين متفحصة:
— أخدتِ الدم كم مرة؟

أجابته نادية بهدوء وطمأنينة:
— لم آخذه، لأنك لم تكتب في الوصفة أن لديه فحص دم.

ارتفعت حاجبا الدكتور هاني بدهشة:
— معقول؟! ما كتبتش أن تأخذي ثلاث زجاجات دم؟

صرخ حميد بدهشة ممزوجة بالغضب:
— ثلاث يا ظالم! ثلاث… ليش؟

ابتسم الدكتور هاني بابتسامة حازمة، لكنها مليئة بالدفء:
— ظالم ليه؟ ده كله عشان صحتك، يا بوحميد. الزجاجة الأولى لفحص المخ، والثانية لفيتامين د، والثالثة لفحص الوراثة… يمكن أحد من العائلة عنده نفس المشكلة. وربما نحتاج لأخذ عينة بسيطة من النخاع. حاجة بسيطة جدًا… ما تخافش.


الخوف والطمأنينة

ارتجف حميد قليلاً وسأل بصوت متردد:
— شو النخاع؟ ليش؟

طمأنه الدكتور مبتسمًا:
— ما تخاف، ده إجراء روتيني جدًا… مجرد خطوة صغيرة لن تشعر بها. أنا أذكر لك ذلك فقط إذا تطلب الأمر، يا باشمهندس.

لحظة… كلمة “باشمهندس” أضفت ارتياحًا غريبًا على حميد، وكأنها تذكره بالثقة التي فقدها مؤقتًا.

التفت الدكتور إلى نادية وقال لها بنبرة مليئة بالحرص:
— بقولك حاجة، نادية…

ابتسمت نادية، وعيونها تتلألأ بابتسامة سرّية:
— تفضل، دكتور.

قال الدكتور هاني بنبرة دافئة وحانية:
— وأنت معه، حاولي تناديه باسم “راشد”.

ضحكت نادية هامسة بخفة، وكأنها تتشارك سرًا مع الطبيب:
— ما تخاف يا دكتور، أنا عملتها قبل ما تقول.


الذاكرة المفقودة

ثم سألها الدكتور بفضول، وهو يراقب تفاعل حميد:
— وأنت معه، سمعت أنه جاب سيرة مراته أو أولاده أو أحد من أقربائه؟

أجابت نادية بهدوء:
— لا، ما جاب سيرة أحد.

همس الدكتور لنفسه مبتسمًا:
— أكيد مش راح يجيب سيرة مراته… الواحد أحيانًا ما يصدق أنه نسِي أنه متزوج… يفتكرهم تاني. والله يا حميد، من حقك تفقد ذاكرتك… لكن ياله من حال! كلنا في الهم هذا يا بوحميد. بس جدع… عامل فيها فاقد ذاكرة! هتهرب منهن فين؟ دول وراك وراك، والقلب دعيلك…

بعد لحظة صمت، قالت نادية بخفة:
— دكتور، في كلمة وحده قالها…

سألها الدكتور بلهفة:
— إيه هي؟

أجابتها نادية، وعينيها تتلألأ:
— أنا متى بخرج؟

ابتسم الدكتور مطمئنًا:
— يخرج فين…؟ ده المشوار لسه في بدايته. بس هو شاطر، وحنخرجه زي ما يريد، متى ما حان الوقت.

الارتياح والهوايات المشتركة

مع استمرار حميد في العلاج، بدأت علامات الارتياح تظهر على وجهه كلما كانت نادية بجانبه.

اكتشف أنها تشاركه بعض هواياته… حب الزهور، وروتين الصباح الذي يبدأ بوجود وردة السوسن في يده. كانت تستمع بشغف لقصصه عن مغامراته في الفضاء، كأنها تطير معه بين النجوم.

كانت تعرف أنه طيار، وكان يتحدث عن الطيران بشغف وحب، كل كلمة منه تحمل نبض السماء، وكل وصف من شفتيه يجعل قلبها يخفق أسرع.

كما كان يحدثها عن الأزهار والعطور، حتى أن أي هدية يحصل عليها لابد أن تكون من الزهور… هادئ ومتزن، وارتاحت لوجوده بالمستشفى. أصبح يومها يبدأ وينتهي به.


الغزل الصامت

نادية وجدت في حميد الرجل المتميز، ذو الثقافة والحضور، الذي يحترم الآخرين مهما كانوا. وعندما يتحدث، شعرت وكأنها أمام شاعر من شعراء الغزل.

كانت تتوق لسماع كلمة غزل منه، رغم أنها لا تبدي ذلك… في صمت قلبها كان يقول:
يا له من رجل أسَر قلبي…

في كل ابتسامة، وفي كل كلمة، وفي كل لحظة صمت بينهما، كان هناك دفء خفي، رابط خفي بين روحين تبحثان عن التفاهم والطمأنينة، وكأن القدر جمعهما ليعيدا اكتشاف الحياة من جديد…

امرأة في حياتي

الفصل الثالث –

امرأة في حياتي  الفصل الثالث –

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *