
بريطانيا: درع الجلاد… هل مات الضمير؟
بقلم : نبيل أبو الياسين
بينما يُهرق الدم في غزة وتُرتكب أبشع الجرائم ضد الإنسانية، تتبدّى ازدواجية معايير الغرب وقمة نفاقه في مشهد صادم، ففي بريطانيا، تُعاقب الأصوات اليهودية الشجاعة التي تجرأت على انتقاد وحشية الاحتلال، بينما تُمد يد العون لمجرمي الحرب بشتى السبل، وإنها لحظة تاريخية فارقة تكشف أن قيم الديمقراطية والعدالة باتت مجرد شعارات جوفاء، تُداس تحت أقدام المصالح السياسية القذرة، في مسرحية عالمية تُكتب فصولها بدماء الأبرياء وصمت المتواطئين.
صمت الأغلبية: صوت الضمير يُعاقب
في سابقة خطيرة ومخزية، تُعلّق عضوية خمسة نواب يهود منتخبين في أكبر هيئة تمثل اليهود البريطانيين، ليس لجريمة ارتكبوها، بل لكونهم تجرأوا على انتقاد سلوك إسرائيل في غزة، وهؤلاء النواب، الذين صدحت أصواتهم بعبارة “إن روح إسرائيل تُنتزع” ورفضوا “غض الطرف أو الصمت”، باتوا ضحية لنظام يُعاقب الضمير الحي ويُكافئ الصمت المطبق، وهذا الإجراء يُرسل رسالة واضحة: في بريطانيا، دعم إسرائيل خط أحمر، حتى لو كان على حساب القيم الإنسانية والعدالة.
المجر: ملاذ للمطلوبين للعدالة
انسحاب المجر من المحكمة الجنائية الدولية ليس مجرد قرار سيادي، بل هو رسالة صريحة بأن بعض الدول الأوروبية مستعدة لحماية حلفائها السياسيين، بغض النظر عن الجرائم المزعومة المتورطة فيها، كـ”تجويع نتنياهو للمدنيين الفلسطينيين” وقتل الاطفال والنساء وتدمير المنازل والمدارس والمستشفيات والكنائس والمساجد، وهذه الخطوة غير المسبوقة لعضو في الاتحاد الأوروبي، بعد زيارة نتنياهو لبودابست وتجاهل المجر لأمر اعتقال صادر بحقه من الجنائية الدولية ، وتُشكل سابقة خطيرة وتُقوض مصداقية العدالة الدولية، مما يجعل المجر “ملاذًا دبلوماسيًا” لمن يواجهون التدقيق القانوني.
تناقض صارخ: الدعم لأوكرانيا وتجاهل غزة
بينما يكثف الاتحاد الأوروبي دعمه لتحقيقات المحكمة الجنائية الدولية في أوكرانيا، يتخذ أحد أعضائه قرارًا بالانسحاب من نفس المحكمة عندما يتعلق الأمر بجرائم أخرى، وهذا التناقض الصارخ يُظهر ازدواجية المعايير بوضوح، فالمجر، بالتحالف مع منتقدي المحكمة الجنائية الدولية كأمريكا في عهد ترامب وروسيا وإسرائيل، تُرسل إشارة مقلقة حول التزامها بالمعايير الدولية، وهذا الموقف لا يعقد فقط تنسيق السياسة الخارجية للكتلة، بل يُثير تساؤلات جدية حول قيم الاتحاد الأوروبي نفسها.
تآكل القانون الدولي: عواقب وخيمة
إن انسحاب المجر، وتجاهل بريطانيا لأصوات الضمير داخل مجتمعها اليهودي، يُشكلان جزءًا من تآكل أوسع للقانون الدولي، وعندما تُصبح المصالح السياسية فوق العدالة والمساءلة، فإننا نواجه مشكلة خطيرة في نظرتنا للنظام العالمي، ومنظمة هيومن رايتس ووتش وغيرها من المنظمات الحقوقية تصف انسحاب المجر بأنه “إهانة للضحايا والناجين من أسوأ الجرائم”، مما يؤكد أن هذه الخطوات تُقوض سيادة القانون الدولي ومعايير العدالة، وتفتح الباب على مصراعيه للإفلات من العقاب.
بريطانيا: درع الجلاد… هل مات الضمير؟
وختامًا: إلى أين يا غرب؟
إلى أين يتجه الغرب، وخاصة بريطانيا، في ظل هذه الانتهاكات الصارخة للعدالة وحماية مجرمي الحرب؟ هل بات دعم الاحتلال النازي وقمع الأصوات المعارضة هو الثمن لـ”التحالفات” المشبوهة؟ إن تجاهل الجرائم في غزة والتواطؤ مع مرتكبيها، بينما تُعاقب الأصوات الشريفة، يُرسل رسالة مفادها أن الإنسانية قد ماتت، وإذا لم يتم تصحيح هذا المسار بشكل عاجل، فإن مصداقية القانون الدولي ستنهار بالكامل، وسنعيش في عالم تحكمه شريعة الغاب، حيث القوة هي القانون الوحيد، والعدالة مجرد ذكرى بعيدة.