
تابوت يسبح في يمّ التدبير
بقلم:دعاء. زيدان مدرس مساعد بقسم الفقة بجامعة الأزهر
كان يجلس في استرخاء هو وزوجته على شرفة قصرهما المطلِّ على اليم، وإذا بتابوت يطفو على سطح الماء، يدفعه التيار في اتجاه القصر دفعًا، حتى اقترب من حافة القصر اقترابًا شديدًا.. بدا التابوت كتوابيت الملوك المنتشرة في ذلك العصر، كأنه يحمل سرًّا عظيمًا.
فالتقطه فرعون، وفي ذهنه توقعات شتى، أقربها أن يجد بداخله مومياء ملك أو بقايا ميت عظيم.. لكن المفاجأة كانت صاعقة؛ إذ وجد داخله طفلًا ذكرًا حيًّا جميلًا، له هيبة كهيبة الملوك.. تسلل حب هذا الطفل إلى قلب فرعون وزوجته تسلُّلًا عجيبًا.
فهذا الرجل القاسي الدموي الذي اعتاد قتل الأطفال الذكور من بني إسرائيل، يشعر فجأة بحب تجاه هذا الطفل الذكر..
وهنا انتهزت آسية زوجة فرعون الفرصة عندما رأت في عيني زوجها حبه للطفل فعرضت عليه أن يُبقي عليه ولا يقتله كغيره { وَقَالَتِ ٱمۡرَأَتُ فِرۡعَوۡنَ قُرَّتُ عَیۡنࣲ لِّی وَلَكَۖ لَا تَقۡتُلُوهُ عَسَىٰۤ أَن یَنفَعَنَاۤ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدࣰا وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ } [سُورَةُ القَصَصِ: ٩]
لم تكن تتوقع أبدًا أن يُجيبها إلى طلبها، لكن المفاجأة أن وافق فرعون، وأبقى على الطفل.
كبر الطفل وترعرع في بيت عدوّ الله، فرعون، ليكون نبي الله، موسى –عليه السلام–.
قال تعالى: { إِذۡ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰۤ أُمِّكَ مَا یُوحَىٰۤ (٣٨) أَنِ ٱقۡذِفِیهِ فِی ٱلتَّابُوتِ فَٱقۡذِفِیهِ فِی ٱلۡیَمِّ فَلۡیُلۡقِهِ ٱلۡیَمُّ بِٱلسَّاحِلِ یَأۡخُذۡهُ عَدُوࣱّ لِّی وَعَدُوࣱّ لَّهُۥۚ وَأَلۡقَیۡتُ عَلَیۡكَ مَحَبَّةࣰ مِّنِّی وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَیۡنِیۤ (٣٩) } [سُورَةُ طه: ٣٨-٣٩]
كل هذا لم يكن ليحدث أبدًا لولا تدبير الله.. فتدبيره سبحانه لا يُدركه عقل، ولا يُعجزه أمر، ولا يضيع معه رجاء.
فيا من ضاقت به السبل، وأظلمت أمامه الدروب، لا تيأس.. أحسن الظن بربك، وتوكل عليه؛ فإن الذي أنجى موسى من فرعون، قادر أن ينجيك، ويرفعك، ويجعل من ضيقك فرجًا، ومن حزنك أملًا.. فقط، ثق بالله.
تابوت يسبح في يمّ التدبير