الدكروري يكتب عن تحقيق مناهج شيوخ المذهب الحنفي
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير عن المذاهب الأربعة، وعن صاحب المذهب الحنفي أبي حنيفة النعمان، وعن مدرسة المذهب الحنفي، وإن المذهب الحنفي كان يشمل على تحقيق مناهج شيوخ المذهب كأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، ولم يكن قاصرا على منهج أبي حنيفة بالذات، ويقول الموفق المكي بعد أن ذكر كبار أصحاب أبي حنيفة وضع أبو حنيفة مذهبه شورى بينهم، لم يستبد فيه بنفسه دونهم، اجتهادا منه في الدين، ومبالغة في النصيحة لله ورسوله والمؤمنين، فكان يلقي المسائل مسألة مسألة، ويسمع ما عندهم، ويقول ما عنده، ويناظرهم شهرا أو أكثر، حتى يستقر أحد الأقوال فيها، ثم يثبتها أبو يوسف في الأصول كلها وهذا يكون أولى وأصوب.
وإلى الحق أقرب، والقلوب إليها أسكن، من مذهب من انفرد، فوضع مذهبه بنفسه، ويرجع فيه إلى رأيه، ولقد أطلق هذا الإسم المذهب الحنفي على مجموعة الأحكام التي عرفت عن أبي حنيفة وأصحابه، وإنما نسب المذهب إلى أبي حنيفة لأنه كان عميدهم وأستاذهم وإن كانوا جميعا من أهل الإجتهاد المطلق يستوون فيه، ولقد تظافرت عدة أسباب جعلت المذهب الحنفي هو ذلك المزيج من الآراء التي رويت عن أبي حنيفة وأصحابه، ويرجع الشيخ محمد أبو زهرة أسباب هذا المزج إلى إن أقوال الإمام عندما رويت لم ترو مفصلة متميزة، بحيث يمكن استخلاص أصول الإمام منفردة، وتكوين وحدة فكرية خالصة له من كل الوجوه من غير اقتران أقوال أصحابه به.
ومن الأسباب أيضا ما كان يعمد إليه أبو حنيفة عند دراسة المسائل العلمية المختلفة، واستخلاص حكم الوقائع، أو الأمور الفرضية، إذ كان يعرض المسائل، ويسمع آراء تلاميذه ويجادلهم ويجادلونه، وينازعهم القياس، وينازعونه ويفرضون الحلول، ولم تكن الرابطة الجامعة بين آراء أولئك الأعلام هي تلك الصحبة التي جعلت آراء كل واحد معروفة عند الآخر، بل إن التلمذة، ثم الصحبة، ثم تدارس الأقوال من بعد جعل تلك الأقوال مهما تختلف أو تتحد تنتهي إلى أصول واحدة، فالأصول التي كان يسير عليها أبو حنيفة، هي نفس الأصول التي ارتضاها تلامذته في حياته، أو من بعده، على اختلاف يسير في بعضها، واختلاف في تطبيقها، من هذا المنطلق.
فإن المقصود عند العلماء بالمذهب الحنفي هو ما ذهب إليه أبو حنيفة وصاحباه، باعتبارهم ساهموا جميعا في إرساء قواعد هذه المدرسة وأصولها، ويقول ولي الله الدهلوي في كتابه الإنصاف، و إنما عد مذهب أبي حنيفة مع مذهب أبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى واحدا، مع أنهما مجتهدان مطلقان، مخالفتهما غير قليلة في الأصول والفروع، لتوافقهم في هذا الأصل، ولتدوين مذاهبهم جميعا في كتاب المبسوط، وكتاب الجامع الكبير.