**ثقافة الطفولة وذكرياتها**
بقلمى : د/علوى القاضى.
… في حياة كل منا صندوق يضم حكايات وذكريات الطفولة ، نحتاج دوما إلى الرجوع إليه واستكشافه لكي نفهم انفسنا وواقعنا ومن نحن ، حقا زمن لاينسى
… حقا أن السعادة هي التي عشناها في ذاك الزمن الجميل المليء بتلك الذكريات الرائعة
… في تلك الأيام لم نكن نعلم أن حلاوة الطفولة تفقد عند الكبر بل كانت عقولنا صغيرة جدا كنا نحدث أنفسنا أننا كلما كبرنا كلما زادت الحياة جمالا وروعة ، ولكن كلما زاد الشيء ومرت الأيام شقت المتاعب فيه ، ذلك هو الزمن الجميل المعروف بالبراءة والصفاء والنقاء ، أيام أخدنا منها الأخلاق وتربينا عكس اليوم أصبحنا الٱن نسير بمنهج الذكريات ، لانأمن بهذه الحضارة التي نشاهدها على هذا الجيل الحاضر
… وهناك أجيال كانت في نفس الجيل لكن لم تعيش تلك اللحظات البريئة والجميلة ، إما بسبب الموقع أوالمكان أو بسبب الظروف
… أحلى أيام عشناها كنا بسطاء وكنا نتعلم كيف تكون إنسان طيبا محترما وكيف تساعد الناس بالخير ، ليس مثل الحاضر حيث دمرت هذه التكنولوجيا كل القيم الجميلة في الإنسان ، دون أن ندري أننا يوما ما سوف نكون غرباء عن بعضنا ، فعلا هي أيام لن تعود ولن تتكرر أبدا ، حتى لو أعادو لنا الأماكن القديمة فإنهم لن يعيدوا الرفاق والأحباب
… أهم شيء هو عندما ترجع بك الذكريات إلى الطفولة ترجع إلى أصلك
… تلك الأيام تمضي بنا ونكبر ونعمل بجد ونتعب أنفسنا حتى نصل لمانريد
… يشيب الشعر ونحن هكذا نركض حتى نتعب ونحمل هموما كالجبال على صدورنا ، وننسى بأن لنا قلب وروح لهما حق علينا
… مهما كانت ظروفك ماديا أو نفسيا صعبة أخرجها أطردها من حياتك ببعض الكلمات ، أنا أحب ، أنا قوي ، أنا رجل ، لكن روحي يسكنها براءة الطفولة ، أنا أستطيع أن أصل ، سأتعب لكنني مبتسم رغم كل الهموم قلبي مطمئن فإن الله معي
… تذكر أن بحياتك يوجد أشخاص بحاجتك ، والله أرسلك لتكون عونا لهم ، غذي روحك وقلبك باالأمل والمحبة ، ثم سافر برحلة العمل والجد لتحقق حلمك
… والطفولة تعتبر من سنن الله فى خلقه وليست مقصورة على الإنسان وحده فكل شئ فى الكون يبدأ صغيرا ثم يكبر مع الوقت حتى يشيخ ثم يموت وتنتهى حياته ، ففى هذه المرحلة يكون البناء أكبر وأهم من الهدم حتى ينمو ، ثم يمر بالمرحلة الثانية وهى الصبا والشباب ويكون الهدم مساويا للبناء وتستقر الحالة ، ثم يدخل المرحلة الأخيرة قبل الموت وهى الكهولة والشيخوخة والهرم ويكون فيها الهدم أكثر من البناء تمهيدا للموت والإختفاء من الحياء ، وهذه هى سنة الحياة
… ماأسعد هذا الجحش الصغير
… يعيش مدللا سعيدا حرا شهور عمره الأولى حتى أقل من سنة من عمره ، حرا طليقا غير محملا بأى من أعباء الحياة ، يلازم أمه إلى الحقل ، حيث يرافقها فى المسير غير مقيدا بأى قيد ، تارة يسبقها بخطوات كثيرة ليستشرف الطريق ويتعرف على علامات بارزة تعينه على معرفة طريق الذهاب والإياب وبدافع التطلع ، يحسب حياته كلها كذلك رضاعة من اللبن السائل الدافيء الجميل ، أو التقافز على القش ، حتى يمر عليه عاما واحدا ، عندها يبدأ سن التكليف والشقاء والمسؤلية ، ويبدأ فى استخراج بطاقة الحمورية
… بعد أن يتعافي يقيد فى عربة نقل ( السباخ ) مع أمه ليبدا شق طريق الكفاح ، يظل هكذا حتى يتم الإعتماد عليه وحده فى جر العربة والأعمال الشاقة كلها ، ويظل يعيش فى ذكريات الماضى الجميلة عندما كان جحشا صغيرا منكوش الشعر ، فتصبح أمنيته الوحيدة بعد ذلك ساعة واحدة فى بقعة شمس يتمرغ فيها في الرماد فى الشتاء محدثا جلبة كبيرة وفوضى عارمة من سحابات الرماد والأتربة بينما هو مستلقيا على جنبه يحرك أرجله الأربعة فى زهو وإنسجام ، معلنا انه صاحب كل تلك الجلبة
… تحياتى …