«(§)»حوار مع ملك الموت«(§)»
بقلمى : د/علوى القاضى.
جريدة موطني
... { غيبوبة } فيها دروس وعبر لعلنا نستفيد ونعتبر
… فتحت عينيى لأجده واقفا عند حافة الفراش ، وكان الظلام يخيم على أركان الحجرة فلم أستطع أن أحدد ملامحه ، إعتدلت على فراشي وسألته بصوت متهدج وجسدي كله يرتجف : من أنت ؟! ولماذا تقف هكذا عند حافة فراشي ؟!
قال : جئت أذكرك بموعدك الذى نسيته
قلت : أى موعد ؟! أنا لاأتذكر أنى نسيت موعداً قط
قال : موعد الرحيل ، ألم نخبرك أنك راحل وقت مولدك ؟!
قلت : الرحيل ! ، تخبرونى وقت مولدي ! ، أى رحيل ؟! وأى إخبار ؟! ثم إنك لم تجبني من أنت ؟!
أجابنى : أنا ملك الموت هازم اللذات ومفرق الجماعات وميتم البنين والبنات
… جاءتني كلمته الأخيرة كرصاصة إخترقت صدري وسرت قشعريرة فى جسدي وانتفضت مفزوعاً من فراشي قائلا له : هل جئت لتقبض روحي الآن ؟!
أجاب : ليس بالضبط ولكنني جئت أذكرك بأنى سوف أقبض روحك عند منتصف الليل فاستعد للرحيل
… تلجلجت كلماتى ول .. ل .. ل .. ل .. تلعثم لساني وسمعت خفقات قلبي عالية وتوقف عقلي عن التفكير ، ولكن سرعان ماتمالكت نفسي ، قلت له : ولكني لم أستعد للرحيل ولم أرتب أموري ولم أكتب وصيتي ولم أسدد ديوني ثم أن أبنائي مازالوا صغارا فمن يرعاهم من بعدي بعد أن أرحل ؟!
… لم يهتم بكلامى وواصل حديثه إلى بثبات قائلاً : هذا ليس شأنى لقد صدرت التعليمات الإلآهية بأن أقبض روحك عندما ينتصف الليل وجئت لأذكرك بالرحيل وموعدك الذى نسيته
… وكان رجائى له : ولكني أستحلفك بالله أن تنتظر لأرتب أموري
… ورد بكل حزم : لاوقت لدي ، ولكن لديك يوماً كاملاً لتتأهب للرحيل ، وتنهى إجراءات مفارقتك للحياة ، ويمكنك أن تكتب وصيتك ، وتوكل أحداً بسداد ديونك ، وتطلب العفو والسماح ممن أخطأت فى حقهم ، وترد المظالم ، وتودع أهلك وأحبابك ، وتستودع أولادك أمانة عند الله الذى لاتضيع ودائعه وأماناته
… وتكرر رجائى : كل هذا فى يوم واحد فقط ؟! ، أنا أحتاج أشهراً لعمل ذلك لتسوية أمورى ، وإنهاء متعلقاتى فى الدنيا ، وترتيب شؤونى حتى أرحل وأنا مطمئن ، ثم أين الإنذار بالوفاة وعلامات الرحيل التى طالما سمعت عنها قبل الوفاة ؟!
… رد بكل أسف : ألم تصلك أية إنذارات أو تنبيهات أنك ستموت قريبا ؟!
… حينها شعرت بالإنتصار أخيرا قبل أن أقول : نعم لم تصلني أية إنذارات أو تنبيهات من قبل
… رد مستغربا كيف ؟! ، ألم نقبض روح جارك ، وأحسست أن الموت طرق باب جارك ، وأنك قد تكون التالى الذى يطرق بابه ؟!
… قلت معتذرا : بلى احسست بذلك
… وواصل كلامه : ألم نقبض روح أمك ، وروح أبيك من قبل ، وعرفت أنك أنت التالى ، لأنك أحسست بأنك شجرة قد إقتلعت جذورها وهى تنتظر الآن الفأس الذى يقتلعها طالما ماتت جذورها ؟!
… وأجبته : بلى أحسست بذلك أيضاً
… وواصل استنكاره : وهل لم تعلم برحيلك عندما قبضنا روح زميلك فى العمل ، وزميلك الدراسي بل ، وعندما قبضنا روح من يصغرك بأعوام كثيرة ؟!
… تملكتني خيبة الأمل وطأطأت رأسى وسلمت أمري لله ، وقلت بلى شعرت بذلك ، ولكن غلبني الأمل بطول الأجل ، ولم أتوقع أن النهاية قد تكون قريبة هكذا
… ورد معترضا : أنتم معشر البشر أبناء آدم دائماً مايغلبكم الأمل ، وتعيشون الوهم ، وتنسون الواقع ، وتغفلون عن الحقيقة ، والآن إستعد إذن للرحيل آخر شمس تشرق فى عمرك اليوم ، وآخر ليل تخيم سدوله عليك أيضاً اليوم ، قبل أن تعيش حياة سرمدية بيضاء أم سوداء فى القبر حسب عملك ، أراك عند منتصف الليل
… داهمتني عبارته الأخيرة وانتصبت واقفا لأبحث عنه فى الغرفة بعد أن إختفى فجأة ولكن هيهات أن أراه بعد أن إختفى وتركني يسيطر علىَّ الذهول والوجوم ، وفجأة تنبهت أن أمامي فقط نهار وليل لأرتب أموري ، وأستعد للرحيل ولكن كيف ؟! ومن أين أبدأ ؟! الأفكار تتزاحم فى رأسى وعيناى تملأهما الدموع ، وأحسست أن صوتي قد إختفى وأجهشت بالبكاء وخانتني ساقاي فوقعت على الأرض مغشياً علىّ ، وعندما أفقت من غفوتي وجدتني فى الفراش وزوجتي وأبنائي من حولي ينظرون إلى نظرة عطف وشفقة وحب ، فجأة تحول نظري للساعة التي قد تجاوزت العاشرة فنظرت للنافذة المغلقة وقلت لهم بصوت مكتوم : العاشرة صباحاً أم مساءاً فقالوا فى صوت واحد : العاشرة مساءاً
… إنتفضت مرة أخرى وجريت فى الغرفة قائلاً : لم يعد أمامي وقت ساعتان وأفارق الدنيا ، ساعتان فقط على الرحيل
… ونظر الجميع إلى بعضهم نظرة خوف واندهاش ، وظنوا أنني قد أصابتنى الهلاوس ، أو أصابني الجنون ، أو أنه أثر الدواء الذى أتناوله ، فلم يحركوا ساكناً وتركوني أفعل ماأريد
… وجدتني أرتدي حذائي وأذهب متجهاً نحو الباب لأفتحه وأهرول على السلم وأنزل إلى نهر الطريق وأصرخ لملك الموت قائلاً : ماذا تنتظر ؟! هلمَ إلىَّ , هيا إقبض روحي ، هيا ، هيا
… فجأة أسقط على الأرض ويجرى الناس نحوي ولكني رحت فى سُبات عميق
… وإبنى ينادينى أبي ، أبي ، إستيقظ ياأبي
… سألت إبنى ألم أمت بعد ؟!
… رد بكل ود : أبعد الله عنك الشر وأطال لنا فى عمرك لاتتحدث عن الموت مرة أخرى ياأبى فأنت تُوغر صدورنا ، وتحزننا ، وتخيفنا ، وتقلقنا عليك ، ونحن ندعو الله أن يطيل فى عمرك
… ولكن يابنى كم الساعة الآن ؟! وفى أى يوم نحن ؟!
… أجابنى : الساعة الواحدة ظهرا ، لقد ظللت ياأبى فى غيبوبة طيلة أسبوع كامل ، وكنا نخشى عليك أن يصيبك مكروها
… استغربت : غيبوبة لمدة أسبوع ؟! ، إذن كان ذلك إنذارا ًللرحيل ، إبني أرجوك أحضر لى ورقة وقلم وتعالى إلى مسرعاً فلم يعد باقياً فى عمري سوى سويعات لايعلمها إلا الله
… الحمد لله الذي أمهلنا وأنذرنا وإنا إلى ربنا حتماً لراجعون
… تحياتى …