
حول المعاناة اليومية للشعب الفلسطيني الشقيق
هنا نابل / بقلم المعز غني
لو كانت روسيا هي التي تحاصر أوكرانيا ،
لو أن الأوكرانيين – بشعرهم الأشقر وعيونهم الزرقاء –
ويحتضر الأطفال في الخيام والملاجئ ،
يعانون من سوء التغذية ،
ومن قلة الأدوية ،
ومن برد الليل ولهيب القهر .
تخيل أن العالم يشاهدهم وهم يتنفسون الموت ببطء ،
شهور طويلة ،
ولا أحد يفتح معبرًا ،
ولا أحد يُرسل قافلة إنسانية ،
ولا أحد يجرؤ حتى على قول كلمة “
كفى… ! “
كم من قناة كانت ستبث صورهم ليل نهار ؟
كم من حكومة كانت ستُندد ؟
وكم من جيش كان سيُستنفَر ؟
وكم من قرار عاجل كان سيُصدر في مجلس الأمن ؟
لكن لأنهم ليسوا أوكرانيين …لأنهم فلسطينيون ،تتسرب مآسيهم عبر ثقوب الصمت العربي ،وتتوه صيحاتهم في دهاليز الأمم ،ويموت أطفالهم على مهل ،
دون أن تهتز شعرة في ضمير العالم المتحضر .
مدينة غزّة الأبية ليست مجرد جغرافيا ،
غزة هي سؤال حيّ عن معنى الإنسانية ،
عن حدود العدل ،
عن كيل العالم بمكيالين .. !
في كل خيمة فلسطينية
ولد يشتهي الحليب ،
وفي كل حضانة ممرضة تبكي لأنها لا تملك شيئًا لتُسعف به طفلاً ،
وفي كل زاوية من زوايا المعاناة
أمّ تُتمتم :
” يا الله ، إلى متى ؟ “
فلسطين لا تحتاج إلى دموعنا فقط ،
تحتاج إلى يقظة ضمير ،
وصرخة حق ،
وغضبة تليق بعذاباتها .
أفِيقـــــوا يــــــا عـــــــــــــــــرب
فإن جَرس الإقلاع قدْ ضَــــــرب
أفيقــــــــوا يــــا مُسلمـــــــــــون
فإن صمتــكم لَـــــنْ يــــــــــدوم …
ما يحدث في غزّة ليس مجرّد حرب ،
إنه قيامة الدمّ على ترابٍ محتل ،
إنه صرخة أمٍّ بين الركام ،
تُرضّع طفلاً لا تعرف إن كان سيعيش أم يُدفن قبل أن يُسجّل في السجلّات المدنية.
غزّة الأبية … تلك العاصيةُ على الإنكسار
الواقفةُ كشوكةٍ في حلقِ الظلم ،
تنزفُ… وتُقاوم ،
تُحاصر … وتُبدع ،
تُباد … وتُنجب أبطالاً من رماد .
غزة ليست مجرد مدينة ، بل مرآة عارنا نحن العرب ،
مرآة تُظهر تجاعيد تخلّينا ،
وشقوق جُدران صمتنا ،
تلك التي تتهاوى كلّما إنفجر بيتٌ أو أستشهد طفل .
يا عرب ، يا مسلمون ، يا من تسمّون أنفسكم أمة ،
هل صارت الخيانات وجهتنا …؟
هل باتت البيانات الباردة من قبل حكام العرب أقصى ما نملكه من سلاح .. ؟
أين الجيوش …؟
أين الزيت والزيتون …؟
أين نخوة المعتصم ؟ وصوت عبد الناصر ؟
أين الشعوب ؟ أأنتم أحياء أم دفنتم في قبور الخوف منذ زمن بعيد؟
غزة تحترق … وأنتم تشاهدون ،
غزة تُباد … وأنتم تساومون ،
غزة تنادي … ولا مجيب .
ما ذنبُ طفلٍ كسر جسده قصفٌ أعمى؟
ما ذنبُ عجوزٍ تنتظرُ في طابور الموت دورها؟
ما ذنبُ شارعٍ يتحوّلُ في لحظة إلى قبرٍ جماعي؟
أفِيقوا يا عرب …
… أفيقوا يا أمة لا إله إلا الله فإن التاريخ لا يرحم ،
وسيسجّل على جبينكم ألف وصمة صمت ،
وسيتلو الأجيال أسماء المتخاذلين كما تُتلى أسماء الجبناء في كتب العار.
غزة لا تبكي ضعفها ، بل تبكي من خانها ،
غزة لا تسأل الرحمة من قاتل ، بل تسأل الرجولة من قريبٍ خذلها ،
غزة لا تموت … بل نحن من نموت كلّ يوم بصمتنا الجبان .
فإلى متى؟
إلى متى تظل غزة تُقصف ،
ونحن نُسكت دموعنا خلف الشاشات؟
إلى متى تبقى القدس رهينة،
ونحن نغرق في تفاصيل الفتنة والانقسام؟
غزة لا تحتاج شفقة ، بل فعل .
لا تحتاج دمعة ، بل وقفة .
لا تحتاج خطاباً ، بل سلاحاً وعدلاً وشرفاً .
فإن سُئلنا يوماً: ماذا فعلتم حين كانت غزة تُباد؟
لن ينفعنا الصمت ،
ولن تُشفع لنا الأعذار .
سيبقى العار طريّاً في جبين كل من صمت وهو قادر على الصراخ.
غزة باقية … لأن الحقّ لا يموت ،
وأنتم … هل بقي فيكم من بقي؟
عاشت الصداقة التونسية الفلسطينية وعاشت الأخوّة الفلسطينية التونسية.
لك الله يا.. .فلسطين
—

” لأن الصمت على الظلم… خيانة “