اخبار

حياة النساء بين الرصاص …والتبرير

حياة النساء بين الرصاص …والتبرير

كتبت يارا زرزور

في أحد أمسيات يوليو الحارة، خرجت سيدة ثلاثينية في نزهة قصيرة على ممشى “سيتي بارك” السياحي بمدينة السادس من أكتوبر، باحثة عن نسمة هادئة تطفئ حر الحياة، أو لحظة سلام تسترد بها نفسها من زحام الأيام والخذلان، لم تكن تعلم أن هذه الخطوات القليلة ستكون الأخيرة في حياتها.

 

بينما كانت تسير بصحبة زوجها الجديد، اقترب منها طليقها، الذي افترقت عنه قبل سنوات، لم يحتمل الرجل فكرة أن امرأة كانت ذات يوم زوجته قد تابعت حياتها بدونه، وأنها اختارت لنفسها مستقبلًا آخر.

 

ووفقا لما أدلى به المتهم في التحقيقات، فإن دافعه للجريمة كان شعوره بأن طليقته حرمته عمدا من رؤية أطفالهما الثلاثة منذ طلاقهما، فقد تراكم لديه الإحساس بالغضب والخذلان، لا سيما بعد علمه بزواجها من رجل آخر، فاعتبر ذلك – في تصوره المشوه – طعنة أخيرة لا تغتفر، بدلا من اللجوء إلى القانون، قرر أن ينفذ “عدالته الخاصة”… فحمل سلاحه، وترصد خطواتها، وأطلق النار عليها، وسط ذهول المارة.

 

ما حدث لم يكن مجرد جريمة عاطفية أو لحظة جنون فردي، بل انعكاسا مؤلما لثقافة متجذرة، لا تزال تمنح بعض الرجال شعورا زائفا بالملكية والسيطرة حتى بعد الطلاق.

 

تشير شهادات شهود العيان وتحقيقات النيابة إلى أن القاتل لم يشعر بأي ندم، بل سلم نفسه وكأنه كان يحمل قناعة داخلية بأنه “استرد كرامته”، هذا المنطق المشوه لا ينبع من فراغ، بل من بيئة تبرر العنف، وتغض الطرف عن تهديدات ما بعد الطلاق، وتُلقي باللوم على النساء لمجرد أنهن اخترن النجاة.

 

الأخطر من الجريمة ذاتها، هو ما أعقبها من أصوات رجالية خرجت لتبرر ما فعله القاتل، لا استنادا إلى منطق قانوني أو إنساني، بل تحت مظلة “رد الفعل” ، أو “مازال في البلد رجال”، أو”حق الأب”، أو “الكرامة المهدورة”.

 

رجال لم يحملوا السلاح، لكنهم حملوا نفس الفكرة القاتلة: أن المرأة، حتى بعد طلاقها، تظل تحت حكم الرجل، ولا يحق لها أن تتخذ قرارات مستقلة، أو تبدأ حياة جديدة.

تبريراتهم، التي اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي، لم تكن آراء عابرة… بل كانت شراكة نفسية في الجريمة،

فحين يقول أحدهم: “لو منعتني من أولادي كنت عملت زيّه”, أو “هو ضحية استفزاز”, فإن ما يقال هنا ليس تحليلًا… بل تهديد صريح لكل امرأة تفكر في أن تضع حدًّا لعلاقة مؤذية.

هذا التواطؤ الصامت – والمعلن أحيانًا – يساهم في تحويل جرائم العنف ضد النساء من أفعال فردية إلى ثقافة اجتماعية مَرَضية، ثقافة تهين القانون، وتكافئ القاتل بعبارات تعاطف، وتحاكم الضحية حتى بعد موتها.

 

وراء هذه الجريمة، ثلاثة أطفال، سيكبرون على سؤال واحد:

“لماذا قتلت أمنا؟”

كيف سيواجهون الحياة بدونها؟ كيف ستروى لهم الحقيقة؟

وما الرسائل التي نتركها لأجيال بأكملها إذا ما استمرت الدولة والمجتمع في الصمت أو التبرير؟

 

هذه الجريمة البشعة لا ينبغي أن تمر مرور الكرام، فالمجتمع المصري، بقوانينه وإعلامه ومؤسساته التعليمية والدينية، مطالب اليوم بأكثر من الإدانة اللحظية.

نحتاج إلى تشريعات أكثر صرامة ضد من يمارس العنف بعد الطلاق، ومن يبرره ، وإلى آليات حماية فعلية للنساء المهددات، وإلى خطاب ثقافي يعيد تعريف الرجولة لا على أساس السيطرة، بل على أساس الاحترام.

حياة النساء بين الرصاص …والتبرير

فهل ننتظر الضحية التالية، أم نعلن أن الوقت قد حان لنقول:

“حياة النساء… ليست مباحة!”

حياة النساء بين الرصاص ...والتبرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى