اخبار

حين تتحدث السياسة بلغةٍ لا تُجيد الإصغاء للألم

حين تتحدث السياسة بلغةٍ لا تُجيد الإصغاء للألم
بقلم: محمود سعيد برغش

في لحظة يئنّ فيها التراب الفلسطيني تحت القصف، وتتشظى فيها الأحلام على أبواب المستشفيات المُدمّرة، خرج الرئيس محمود عباس بخطاب بدا منفصلًا عن المشهد، إذ طالب فصائل المقاومة في غزة بتسليم السلاح والسلطة، متحدثًا عن “شرعية واحدة وسلاح واحد”. ورغم شرعية الطرح نظريًا، إلا أن الإشكالية الكبرى لم تكن في المضمون، بل في التوقيت، واللغة، والسياق.

الوحدة ليست ترفًا… لكنها لا تُفرض

لا يختلف اثنان على أهمية توحيد القرار الفلسطيني تحت سقف سياسي واحد، يُعبّر عن الكل الوطني ويمنع الفوضى والسجال. لكن، حين يُطرح هذا المبدأ وسط المجازر، وتُقدَّم الفصائل التي تقاتل كطرف متهَم بدل أن تكون شريكًا، فإن الرسالة تُفهم خطأ، حتى وإن كانت النية سليمة.

ما الغائب الحقيقي في هذه المرحلة؟

ليست الفصائل وحدها من تتحمل مسؤولية ما يجري. فالسلطة الفلسطينية، التي من المفترض أن تكون مظلة لجميع أبناء الوطن، بدت غائبة عن لحظة الحسم؛ غيابًا سياسيًا، إنسانيًا، بل حتى رمزيًا. في وقت كانت غزة تصرخ، لم يكن الصوت السياسي الرسمي بالمستوى المطلوب. لم يُسمع موقف قوي في المحافل الدولية، ولم تُرَ جهود ملموسة لإغاثة أو دعم أو حتى تنديد صريح.

حين تتقاطع الروايات

الحديث عن “السلاح غير الشرعي” – حتى وإن كان هدفه تنظيم المشهد الداخلي – يأتي في لحظة تتقاطع فيها هذه اللغة مع سردية الاحتلال، الذي طالما استخدم “ذريعة المقاومة” لتبرير العدوان. وهنا، تصبح المشكلة مضاعفة: رسالة داخلية تفتقد إلى الاحتواء، وخطاب خارجي يمنح الاحتلال غطاءً إضافيًا.

ماذا نحتاج فعلًا؟

نحتاج إلى مشروع وطني جامع، لا يُقصي أحدًا.

نحتاج إلى مراجعة شاملة لبنية التمثيل الفلسطيني، تبدأ بإصلاح منظمة التحرير.

نحتاج إلى انتخابات حقيقية، تعيد للشارع الفلسطيني صوته.

ونحتاج قبل كل شيء إلى الاعتراف بأن اللحظة الراهنة ليست للبناء فوق الرماد، بل لاحتضان من يحاول لملمة ما تبقّى.

خاتمة

الوحدة الوطنية ليست شعارًا يُرفع في المناسبات، بل مسؤولية تُبنى بالحوار والاعتراف المتبادل. ما قاله الرئيس ربما يُفهم في سياق آخر، لكن في ظل الدم النازف في غزة، تبدو كلماته كمن يُعاتب الجريح على صراخه، لا من يُسنده على الطريق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى