مقالات

حين تخلّى العرب عن غزة: مصر وحدها في ميدان النار

جريدة موطني

حين تخلّى العرب عن غزة: مصر وحدها في ميدان النار
بقلم . د / هاني المصري
——————-———–

حين تخلّى العرب عن غزة: مصر وحدها في ميدان النار

في كل مرة تشتعل فيها نيران الحرب على غزة، تتوجه الأنظار نحو مصر، الدولة العربية الوحيدة التي لا تزال تحاول التوسط، التهدئة، وفتح المعابر. لكن اللافت هو غياب دول الخليج—التي كانت يومًا تشكل الثقل المالي والسياسي العربي—عن أي دور فعّال في القضية. لماذا هذا التراجع؟ هل هو استسلام للضغوط الأمريكية؟ أم عداء مع حماس وإيران؟ أم أن هناك تحولات أعمق في المشهد العربي؟

1- واشنطن ترسم الخطوط الحمراء
لا يمكن فصل هذا التراجع عن التوجيهات الأمريكية الصارمة في التعامل مع المقاومة الفلسطينية. إذ تضغط واشنطن على دول الخليج منذ سنوات لوقف أي دعم لحركة حماس، باعتبارها “منظمة إرهابية”، وفرضت قوانين رقابية صارمة على الجمعيات الخيرية والمساعدات المالية.

في هذا السياق، تخشى دول الخليج من تبعات أي تحرك يُفهم على أنه تحدٍ مباشر للولايات المتحدة، خصوصًا في ظل العلاقات الأمنية والتجارية الوثيقة معها. وهكذا أصبح “الحياد” خيارًا آمنًا، حتى وإن كان على حساب الدم الفلسطيني.

2- العداء الأيديولوجي والسياسي مع حماس
لم تعد القضية الفلسطينية كيانًا موحدًا، بل أصبحت منقسمة بين السلطة في رام الله وحركة حماس في غزة. هذا الانقسام حسم موقف بعض الدول الخليجية—خصوصًا السعودية والإمارات—التي تنظر إلى حماس بوصفها امتدادًا لجماعة الإخوان المسلمين، العدو الأيديولوجي الأول لهذه الأنظمة.

تزايدت القطيعة بعد أن عززت حماس علاقاتها مع إيران وقطر وتركيا، فبدا الخليج وكأنه خارج المعادلة. وهكذا تحوّلت غزة في المخيال الخليجي الرسمي من “قضية عربية” إلى “ملف أمني إيراني”.

3- التحالف مع إسرائيل : أولوية فوق فلسطين
منذ اتفاقيات أبراهام، بدأت عدة دول خليجية تتخذ خطوات باتجاه التطبيع مع إسرائيل. وفي هذا السياق الجديد، لم يعد منطقيًا دعم طرف في صراع مسلح مع إسرائيل، خاصة إذا كان هذا الطرف محسوبًا على حركات “راديكالية”.

التحالف مع إسرائيل بات يُنظر إليه كوسيلة لردع إيران، والوصول إلى التكنولوجيا الغربية، وحتى الحفاظ على النفوذ الإقليمي. أما غزة، فأصبحت تفصيلًا “مُحرجًا” في معادلة التطبيع.

4- الحسابات الداخلية : استقرار الأنظمة أولًا
تشهد دول الخليج تحولات داخلية كبيرة: رؤية السعودية 2030، تطوير البنية التحتية، مكافحة البطالة، تحسين سمعة الدولة عالميًا. في خضم هذه الأولويات، يُنظر إلى الصراعات العربية—وخاصة تلك التي ترتبط بالتيارات الإسلامية—باعتبارها تهديدًا محتملًا للاستقرار.

تخشى هذه الدول من أن يُؤدي تبني موقف داعم لغزة إلى تنشيط تيارات المعارضة الإسلامية أو إحياء حركات التضامن الشعبي التي يصعب ضبطها. لذلك تفضّل الابتعاد، وترك العبء لمصر، التي تمتلك أوراق الضغط والمعابر.

5- مصر : الدولة “الوسيط” لا “الحليف”
تبدو مصر اليوم كأنها الوحيدة التي لا تزال تتحمّل تبعات الحرب في غزة: استيعاب اللاجئين، الضغط الدبلوماسي، التواصل مع الفصائل. لكن مصر لا تفعل ذلك بدافع الشراكة الخليجية، بل بدافع الضرورة الأمنية (خشية الفوضى في سيناء) والسيادة الإقليمية.

غياب الدعم الخليجي جعل من الدور المصري هشًا ومكلفًا. إذ تُركت القاهرة لتخوض المعركة وحدها، دبلوماسيًا وأمنيًا، بينما تتفرج العواصم الخليجية من بعيد، أو تكتفي ببيانات التضامن.

6- أزمة الثقة في القيادة الفلسطينية
تعاني القضية الفلسطينية من أزمة قيادة حقيقية. الانقسام الداخلي، وتآكل الشرعيات السياسية، وتعدد الولاءات، كلها عوامل أضعفت من مركزية القضية في وجدان الخليج الرسمي.

بالنسبة لصانعي القرار، لا توجد جهة فلسطينية “موحدة” يمكن التعامل معها بثقة، ولا مشروع استراتيجي واضح يمكن دعمه.

وختاماً … غزة بين صمت الخليج وعبئ مصر
تخلّي دول الخليج عن غزة لم يكن قرارًا لحظيًا، بل نتيجة لتغير عميق في الرؤية الاستراتيجية للعالم العربي. لم تعد فلسطين هي البوصلة، بل أصبح الاستقرار، التحالف مع القوى الكبرى، وردع إيران هي أولويات المرحلة.

وهكذا، تُركت غزة للمصير، ومصر للمسؤولية، فيما تحولت العواصم الخليجية من قلاع للدعم العربي إلى جزر منعزلة تراقب المشهد بصمت… أو لربما بارتياح.

حين تخلّى العرب عن غزة: مصر وحدها في ميدان النار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى