
حين يتكلم الريف بلغة الصمت
في زاوية منسية من العالم، حيث لا تُسمع أبواق السيارات، ولا يعلو ضجيج المدن فوق صوت الطبيعة، يقف الريف شامخًا… صامتًا، لكنه يتكلم.
الصورة أمامنا ليست مجرد لوحة جميلة؛ إنها نشيد من الهدوء، قصيدة كتبتها يد الخالق على أرض بسيطة. ديك يزهو بريشه كملك في مملكته، ودجاجات تتنقل كأنها سيدات أرستقراطيات في نزهة صباحية. اليقطين الكبير لا يُعبر فقط عن موسم الحصاد، بل عن وفرة الحياة حين تُعاش ببساطة.
البيت الخشبي هناك، بأبوابه العتيقة وسقفه المائل، لا يحتاج إلى جدران من رخام ليحمل الدفء… يكفيه أنفاس أطفاله، وصوت الحطب وهو يشتعل كل مساء. والعربة القديمة قرب السياج ليست خردة، بل شاهد على زمن كان الإنسان فيه أقرب إلى الأرض، وإلى نفسه.
في هذا المكان، لا تحتاج إلى ساعة لتعرف الوقت، فالشمس تقول متى يحين الصباح، والديوك تعلن متى يبدأ يوم جديد. لا تعرف التوتر، فكل شيء يسير بهدوء، باتساق مع نبض الطبيعة. لا ترف، ولا تكلّف، فقط الحياة كما أرادها الله… نقية، صادقة.
ربما لا يملك الريف إنترنت سريع، ولا ناطحات سحاب، لكنه يملك شيئًا أعظم: السلام. السلام الذي لا يُشترى، ولا يُستعار. السلام الذي يُولد من الأرض، ويُروى بماء النهر، ويُنشد مع صوت الريح بين الأشجار.
—
في زحمة الحياة وتسارعها، تذكّر أن هناك دائمًا ركنًا هادئًا في هذا العالم يُنصت أكثر مما يتكلم، ويمنح أكثر مما يأخذ. الريف لا يزال هناك، ينتظر من يفهم لغته.
-حين يتكلم الريف بلغة الصمت