حين يستيقظ الزمن من غفوته
بقلم/نشأت البسيوني
حين يستيقظ الزمن من غفوته يشعر الانسان ان كل اللحظات التي مرت كانت مجرد ظل لحياة اخرى كان يمكن ان يعيشها لكنه لم ينتبه لها لان الانشغال بما يجري حوله اخذه من نفسه واخذ نفسه منه حتى صار يمشي بلا وعي كأنه مخلوق يتحرك لأن الطريق يدفعه لا لأنه يعرف اين يذهب وحين تنهض الذاكرة فجأة مثل باب قديم يفتح وحده يدخل منها هواء ثقيل يحمل رائحة ما نسيه
الانسان منذ سنين طويلة رائحة مواقف لم يواجهها رائحة احلام خبأها رائحة جروح قال عنها انها شفيت لكنها في الحقيقة كانت تختبئ فقط في زاوية معتمة وفي اللحظة التي يتحرك فيها الزمن مثل مارد ضخم ينتفض من نومه ترتجف الروح لأن الاشياء التي هربت تظهر مرة واحدة وتجلس امام الانسان بلا خجل كأنها جاءت لتحاسبه او لتذكره او لتفتح معه بابا جديدا لم يكن يعرف انه ما
زال موجودا وحين يستيقظ الزمن من غفوته يدرك الانسان ان السنوات التي ظنها ضاعت لم تضع وان الايام التي حسبها بلا قيمة كانت تحمل في داخلها معنى خفيا لا يظهر الا حين يفتح الزمن عينه ويبدأ في مراجعة ما تركه خلفه ويكتشف الانسان ان الساعات التي قضاها في الحزن لم تكن هدرا بل كانت تبني داخله قدرة على الفهم كانت تعيد تكوين قلبه كانت تجعله يرى العالم بوضع مختلف
وان اللحظات التي فرح بها كانت قصيرة نعم لكنها ايضا كانت صادقة وكانت تكفي لتمسكه بالحياة حين يغرق في تعبها لان الفرح مهما كان صغيرا يترك اثرا لا تمسحه السنين وحين يتحرك الزمن ويخرج من غفوته يبدأ كل شيء في اعماق الانسان يتغير مثل بحر يرتفع موجه فجأة بلا مقدمات فيدفع بهدوء ما كان ساكنا ويوقظ ما كان نائما ويعيد ترتيب ما كان مبعثرا ويشعر الانسان انه ليس هو
نفسه الذي كان بالأمس كأن شخصا اخر بداخله فتح عينيه وبدأ يمشي في روحه وبدأ يبحث عن مكان ضاع منه او عن كلمة لم يقلها او عن لحظة ندم عليها او عن حلم تركه في منتصف الطريق لكنه ما زال يريد ان يعود اليه حتى لو تغير شكله وحتى لو صار الوصول اليه اصعب وحين يستيقظ الزمن من غفوته يشعر الانسان ان كل علاقة مرت عليه كانت تحمل جزءا منه وان كل انسان دخل
حياته ترك فيه علامة لا يمكن ان تنمحي مهما ادعى انه نسيها ومهما حاول ان يقنع نفسه ان الماضي انتهى لأن الماضي لا ينتهي بل ينام فقط مثل طفل مرهق ثم يستيقظ في الوقت الذي لا نتوقعه ويطالبنا بأن نحمله من جديد ويطالبنا ان نفهم رسالته ويطالبنا ان نعرف لماذا ترك اثره في داخلنا ولماذا ما زال يعيش فينا رغم اننا تركناه خلفنا منذ سنوات طويلة وحين يستيقظ الزمن من
غفوته يشعر الانسان ان المدينة التي يمشي فيها ليست مجرد شوارع واسفلت وان البيوت التي يمر منها تحفظ صوته القديم تحفظ خطواته تحفظ خوفه تحفظ ضحكاته تحفظ تلك اللحظة التي وقف فيها في منتصف الطريق لا يعرف ماذا يفعل ثم اكمل المشي رغم انه لم يكن يعرف الى اين يذهب وحين يستيقظ الزمن يكتشف الانسان ان كل شيء حوله كان يراقبه بصمت الجدران
الاشجار البحر المقاهي تلك الاماكن التي ظن انها فارغة لكنها في الحقيقة تحفظ اثره مثل صفحة لا تمحى وحين ينهض الزمن تتغير الخسارات ايضا لا تعود وجعا فقط بل تتحول الى دروس والى ابواب والى قدرة داخلية تجعله اقوى من قبل حتى لو كان لا يشعر بذلك وحتى لو كان يعتقد انه منهك لأنه حين ينظر الى الوراء ويقارن نفسه بنسخته القديمة سيرى انه صار اقوى بكثير مما يظن
وان الاشياء التي كسرت قلبه صنعته من جديد دون ان ينتبه وان الضعف الذي خاف منه جعله يفهم نفسه اكثر ويفهم الناس اكثر ويفهم الحياة بطريقة اعمق وحين يستيقظ الزمن من غفوته يبدأ الانسان في اكتشاف المعنى من جديد يبدأ في رؤية الاشياء التي مر عليها كثيرا دون ان يلتفت لها يبدأ يسمع الاصوات الخافتة التي كانت تضيع وسط الضوضاء يبدأ يلمس حكمة لم يكن يرىها يبدأ
يشم رائحة الايام التي عاشها كأن الزمن يقدم له دفتر حياة ظل مغلقا لسنوات وفجأة فتحه امامه وقال له اقرأ وفهم واعرف وواصل ولا تخف لأن كل شيء حملته في قلبك له معنى وكل خسارة لها سبب وكل فرح له دور وكل طريق مشت عليه قدمك كان يقودك الى مكان معين حتى لو لم تنتبه وحين يستيقظ الزمن من غفوته يشعر الانسان ان كل شعور مر به كل فشل وكل نجاح كل
بداية وكل نهاية كل ضحكة وكل دمعة كل صمت وكل كلمة كل لقاء وكل وداع وكل شيء حدث سابقا لم يكن بلا معنى بل كان يشكل لوحة كاملة تجعل منه ما هو عليه اليوم وتعلمه كيف يحافظ على لحظاته القادمة وكيف يرى الامور بعين جديدة وكيف يحترم نفسه وكيف يحترم من حوله وكيف يفهم ان الزمن ليس عدوا ولا صديقا بل قوة تسير بلا توقف تتشكل فيها حياة كل انسان بطريقة فريدة
وحين يستيقظ الزمن من غفوته يكتشف الانسان ان الماضي والحاضر والمستقبل مترابطان كخيوط متشابكة لا يفهمها الا من يحاول ان يسمع صمت الزمن ويشاهد تحركه ويدرك انه جزء من حركة اكبر من نفسه وان كل ما يعيشه وكل ما شعر به وكل ما حلم به وكل ما فقده وكل ما حصل له له سبب وان كل يوم جديد هو فرصة لاعادة اكتشاف الذات وفرصة لفهم الاشياء بطريقة لم يفكر
بها من قبل وان كل خطوة يمشيها هي درسا وكل لحظة يمر بها هي مرآة وكل انسان يلتقيه هو رسالة وكل شيء يحدث حوله هو تذكير وان الاستيقاظ من غفوة الزمن ليس حدثا واحدا بل سلسلة من اللحظات التي تجعل الانسان يرى الحياة بعيون مختلفة ويشعر بعمق ما يحيط به ويستمر في المشي في طريقه مهما طال ومهما ضاع في تفاصيله ويعرف ان الزمن حين يستيقظ لا يعيد الماضي لكنه يعطي فرصة لفهمه ومعرفة قيمته وصنع حاضره ومستقبله وفهم نفسه والآخرين بطريقة أعمق
حين يستيقظ الزمن من غفوته
بقلم/نشأت البسيوني
حين يستيقظ الزمن من غفوته يشعر الانسان ان كل اللحظات التي مرت كانت مجرد ظل لحياة اخرى كان يمكن ان يعيشها لكنه لم ينتبه لها لان الانشغال بما يجري حوله اخذه من نفسه واخذ نفسه منه حتى صار يمشي بلا وعي كأنه مخلوق يتحرك لأن الطريق يدفعه لا لأنه يعرف اين يذهب وحين تنهض الذاكرة فجأة مثل باب قديم يفتح وحده يدخل منها هواء ثقيل يحمل رائحة ما نسيه
الانسان منذ سنين طويلة رائحة مواقف لم يواجهها رائحة احلام خبأها رائحة جروح قال عنها انها شفيت لكنها في الحقيقة كانت تختبئ فقط في زاوية معتمة وفي اللحظة التي يتحرك فيها الزمن مثل مارد ضخم ينتفض من نومه ترتجف الروح لأن الاشياء التي هربت تظهر مرة واحدة وتجلس امام الانسان بلا خجل كأنها جاءت لتحاسبه او لتذكره او لتفتح معه بابا جديدا لم يكن يعرف انه ما
زال موجودا وحين يستيقظ الزمن من غفوته يدرك الانسان ان السنوات التي ظنها ضاعت لم تضع وان الايام التي حسبها بلا قيمة كانت تحمل في داخلها معنى خفيا لا يظهر الا حين يفتح الزمن عينه ويبدأ في مراجعة ما تركه خلفه ويكتشف الانسان ان الساعات التي قضاها في الحزن لم تكن هدرا بل كانت تبني داخله قدرة على الفهم كانت تعيد تكوين قلبه كانت تجعله يرى العالم بوضع مختلف
وان اللحظات التي فرح بها كانت قصيرة نعم لكنها ايضا كانت صادقة وكانت تكفي لتمسكه بالحياة حين يغرق في تعبها لان الفرح مهما كان صغيرا يترك اثرا لا تمسحه السنين وحين يتحرك الزمن ويخرج من غفوته يبدأ كل شيء في اعماق الانسان يتغير مثل بحر يرتفع موجه فجأة بلا مقدمات فيدفع بهدوء ما كان ساكنا ويوقظ ما كان نائما ويعيد ترتيب ما كان مبعثرا ويشعر الانسان انه ليس هو
نفسه الذي كان بالأمس كأن شخصا اخر بداخله فتح عينيه وبدأ يمشي في روحه وبدأ يبحث عن مكان ضاع منه او عن كلمة لم يقلها او عن لحظة ندم عليها او عن حلم تركه في منتصف الطريق لكنه ما زال يريد ان يعود اليه حتى لو تغير شكله وحتى لو صار الوصول اليه اصعب وحين يستيقظ الزمن من غفوته يشعر الانسان ان كل علاقة مرت عليه كانت تحمل جزءا منه وان كل انسان دخل
حياته ترك فيه علامة لا يمكن ان تنمحي مهما ادعى انه نسيها ومهما حاول ان يقنع نفسه ان الماضي انتهى لأن الماضي لا ينتهي بل ينام فقط مثل طفل مرهق ثم يستيقظ في الوقت الذي لا نتوقعه ويطالبنا بأن نحمله من جديد ويطالبنا ان نفهم رسالته ويطالبنا ان نعرف لماذا ترك اثره في داخلنا ولماذا ما زال يعيش فينا رغم اننا تركناه خلفنا منذ سنوات طويلة وحين يستيقظ الزمن من
غفوته يشعر الانسان ان المدينة التي يمشي فيها ليست مجرد شوارع واسفلت وان البيوت التي يمر منها تحفظ صوته القديم تحفظ خطواته تحفظ خوفه تحفظ ضحكاته تحفظ تلك اللحظة التي وقف فيها في منتصف الطريق لا يعرف ماذا يفعل ثم اكمل المشي رغم انه لم يكن يعرف الى اين يذهب وحين يستيقظ الزمن يكتشف الانسان ان كل شيء حوله كان يراقبه بصمت الجدران
الاشجار البحر المقاهي تلك الاماكن التي ظن انها فارغة لكنها في الحقيقة تحفظ اثره مثل صفحة لا تمحى وحين ينهض الزمن تتغير الخسارات ايضا لا تعود وجعا فقط بل تتحول الى دروس والى ابواب والى قدرة داخلية تجعله اقوى من قبل حتى لو كان لا يشعر بذلك وحتى لو كان يعتقد انه منهك لأنه حين ينظر الى الوراء ويقارن نفسه بنسخته القديمة سيرى انه صار اقوى بكثير مما يظن
وان الاشياء التي كسرت قلبه صنعته من جديد دون ان ينتبه وان الضعف الذي خاف منه جعله يفهم نفسه اكثر ويفهم الناس اكثر ويفهم الحياة بطريقة اعمق وحين يستيقظ الزمن من غفوته يبدأ الانسان في اكتشاف المعنى من جديد يبدأ في رؤية الاشياء التي مر عليها كثيرا دون ان يلتفت لها يبدأ يسمع الاصوات الخافتة التي كانت تضيع وسط الضوضاء يبدأ يلمس حكمة لم يكن يرىها يبدأ
يشم رائحة الايام التي عاشها كأن الزمن يقدم له دفتر حياة ظل مغلقا لسنوات وفجأة فتحه امامه وقال له اقرأ وفهم واعرف وواصل ولا تخف لأن كل شيء حملته في قلبك له معنى وكل خسارة لها سبب وكل فرح له دور وكل طريق مشت عليه قدمك كان يقودك الى مكان معين حتى لو لم تنتبه وحين يستيقظ الزمن من غفوته يشعر الانسان ان كل شعور مر به كل فشل وكل نجاح كل
بداية وكل نهاية كل ضحكة وكل دمعة كل صمت وكل كلمة كل لقاء وكل وداع وكل شيء حدث سابقا لم يكن بلا معنى بل كان يشكل لوحة كاملة تجعل منه ما هو عليه اليوم وتعلمه كيف يحافظ على لحظاته القادمة وكيف يرى الامور بعين جديدة وكيف يحترم نفسه وكيف يحترم من حوله وكيف يفهم ان الزمن ليس عدوا ولا صديقا بل قوة تسير بلا توقف تتشكل فيها حياة كل انسان بطريقة فريدة
وحين يستيقظ الزمن من غفوته يكتشف الانسان ان الماضي والحاضر والمستقبل مترابطان كخيوط متشابكة لا يفهمها الا من يحاول ان يسمع صمت الزمن ويشاهد تحركه ويدرك انه جزء من حركة اكبر من نفسه وان كل ما يعيشه وكل ما شعر به وكل ما حلم به وكل ما فقده وكل ما حصل له له سبب وان كل يوم جديد هو فرصة لاعادة اكتشاف الذات وفرصة لفهم الاشياء بطريقة لم يفكر
بها من قبل وان كل خطوة يمشيها هي درسا وكل لحظة يمر بها هي مرآة وكل انسان يلتقيه هو رسالة وكل شيء يحدث حوله هو تذكير وان الاستيقاظ من غفوة الزمن ليس حدثا واحدا بل سلسلة من اللحظات التي تجعل الانسان يرى الحياة بعيون مختلفة ويشعر بعمق ما يحيط به ويستمر في المشي في طريقه مهما طال ومهما ضاع في تفاصيله ويعرف ان الزمن حين يستيقظ لا يعيد الماضي لكنه يعطي فرصة لفهمه ومعرفة قيمته وصنع حاضره ومستقبله وفهم نفسه والآخرين بطريقة أعمق

