حَدِيثُ الصَّبَاحِ
أشرف عمر
منْ جَوَامِعُ الْكَلِمِ
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
*{ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ*
*وَجَنَّةُ الْكَافِرِ }.*
رَوَاهُ مُسلِم.
*شرح الحديث:*
الدُّنيا لِلمُؤمنِ دارُ بَلاءٍ وابْتلاءٍ، يَصبِرُ فيها عَلى الفِتنِ، ويَتحَكَّم في شَهواتِها مُقيِّدًا نَفْسَه عن لَهْوِها إِرضاءً للهِ تَعالى.
وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الدُّنيا سِجنُ المؤمِنِ؛ فكُلُّ مُؤمنٍ مَسجونٌ مَمنوعٌ في الدُّنيا مِنَ الشَّهواتِ المُحَرَّمةِ والمَكروهَةِ، يَسجِنُ نَفْسَه عنِ المَلاذِّ ويَأخُذُها بالشَّدائدِ، مُكلَّفٌ بفِعْلِ الطَّاعاتِ الشَّاقَّةِ، يَحبِسُ نَفْسَه مِن كُلِّ شيءٍ لا يُبيحُه له الإسلامُ، والإيمانُ قَيَّده في ذلكَ الحَبْسِ، فلا يَقدِرُ على حَرَكةٍ ولا سُكونٍ إلَّا أنْ يُفسِحَ له الشَّرعُ، فيَفُكَّ قَيْدَه ويُمكِّنَه مِن الفعلِ أو التَّركِ، مع ما هو فيه مِن تَوالي أنواعِ البَلايا والمِحَنِ والهُموِم، ثمَّ هو في هذا السِّجنِ على غايةِ الخوْفِ والوَجَلِ؛ إذْ لا يَدْري بماذا يُختَمُ له مِن عَملٍ؟ ولوْلا أنَّه يَرْتجي الخَلاصَ مِن هذا السِّجنِ لَهَلَكَ مَكانَه، لكنَّ اللهَ سُبحانه لَطَفَ به، فهَوَّنَ عليه ذلكَ كلَّه بما وَعَد على صَبرِه، وبما كَشَف له مِن حَميدِ عاقبةِ أمْرِه، فإذا ماتَ انقَلَبَ إِلى ما أَعدَّ اللهُ تَعالى لَه منَ النَّعيمِ الدَّائمِ والرَّاحةِ الخالصةِ مِنَ النُّقصانِ.
وأمَّا الكافرُ فَليسَ عَليه قُيودُ الإيمانِ، فهو آمِنٌ مِن تلكَ المخاوفِ، مُقبِلٌ على لَذَّاتِه، مُنهمِكٌ في شَهواتِه، يَأكُلُ ويَستمتِعُ كما تَأكُلُ الأنعامُ، ولَه منَ الدُّنيا مَع تَكديرِها بالمُنَغِّصاتِ، فإذا ماتَ صارَ إلى العَذابِ الدَّائمِ وشَقاءِ الأَبَدِ.
صبحكم الله بكل خير وصحة وسعادة وبركة في العمر والرزق وطاعة وحسن عبادة.