
زكاة الفطر بين النصوص والاجتهاد.. هل المال يُجزئ عن الطعام؟…..الدكتور علي عبد العزيز يجيب
القاهرة : الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر
الدكتور علي عبد العزيز، أستاذ الشريعة الإسلامية في كلية الحقوق بجامعة المنصورة، يسلط الضوء في تصريح خاص على مسألة طالما أثارت الجدل بين طلاب العلم والباحثين في الفقه الإسلامي، وهي مسألة إخراج زكاة الفطر مالًا. ويؤكد الدكتور علي أن الفقه الإسلامي ليس مجرد حفظ نصوص أو رواية أحاديث، بل هو علم دقيق يستند إلى أصول وضوابط ثابتة تحتاج إلى دراسة متعمقة لفهم مراد الشارع الحكيم.
أهمية دراسة الفقه وأصوله
من المثير للاستفزاز، وفقًا لما ذكره الدكتور علي، أن بعض الأشخاص يظنون أن حفظ القرآن الكريم أو إتقان علم الحديث وحده كافٍ للتصدر للفتوى وإصدار الأحكام الشرعية. فالفقه الإسلامي لا يعتمد فقط على حفظ النصوص، بل على فهمها في سياقها التشريعي، وتحليل مقاصدها وأبعادها الفقهية.
إن الفتوى مسؤولية جسيمة لا ينبغي أن يتصدر لها إلا من جمع بين علوم الفقه، وأصوله، والمقاصد الشرعية، واللغة العربية، بحيث يستطيع الفقيه استنباط الأحكام الشرعية استنادًا إلى أدلة واضحة ومعقولة.
زكاة الفطر بين النصوص والاجتهاد الفقهي
من بين المسائل التي يكثر فيها الجدل مسألة إخراج زكاة الفطر مالًا بدلاً من الطعام. وهذه المسألة محل خلاف بين العلماء منذ زمن الصحابة، حيث اختلفوا في الحكمة من تشريع زكاة الفطر:
هل المقصود منها إخراج الطعام بذاته، كما يُفهم من قوله ﷺ: “طعمة للمساكين”؟
أم أن الهدف الأساسي هو إغناء الفقراء يوم العيد، كما يُستدل من قوله ﷺ: “أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم”؟
هذا الاختلاف في تفسير الحكمة التشريعية أدى إلى تعدد الآراء الفقهية حول جواز إخراجها مالًا، وهو ما يجعل المسألة قابلة للنقاش وليست من الأمور القطعية التي يُنكر فيها على المخالف.
أقوال العلماء في المسألة
إذا تأملنا في أقوال الصحابة والتابعين وفقهاء المذاهب نجد أن المسألة ليست جديدة، بل كانت محل بحث ونقاش منذ عهد الصحابة، ومن أبرز من أجاز إخراج زكاة الفطر مالًا:
الصحابة: عمر بن الخطاب، عبد الله بن عمر، عبد الله بن مسعود، عبد الله بن عباس، معاذ بن جبل.
التابعون: عمر بن عبد العزيز، الحسن البصري، طاووس بن كيسان، عطاء بن أبي رباح، إسحاق بن راهويه، سفيان الثوري.
الفقهاء: الإمام أبو حنيفة وفقهاء مذهبه، الإمام أحمد بن حنبل في رواية، الإمام البخاري، شمس الدين الرملي من الشافعية.
شيخ الإسلام ابن تيمية: أجاز إخراج القيمة عند الحاجة أو المصلحة الراجحة.
لا إنكار في المختلف فيه
من القواعد الفقهية الراسخة أن “لا يُنكر المختلف فيه وإنما يُنكر المجمع عليه”، وهذا يعني أن المسائل الاجتهادية التي وقع فيها الخلاف بين العلماء لا يجوز فيها التشدد ولا اتهام المخالف بالمعصية أو الابتداع.
لذا، لا يجوز لأي شخص أن يدّعي امتلاك الحقيقة المطلقة في هذه المسألة، أو أن يزايد على علماء الأمة ويصف من يخالفه في الرأي بأنه يعصي الله ورسوله. إن احترام الاجتهادات الفقهية المختلفة يعكس النضج العلمي والوعي بمسارات الفقه الإسلامي.
إخراج زكاة الفطر طعامًا أو مالًا كلاهما جائز، ويُجزئ، وتبرأ به الذمة، وفقًا لاجتهادات العلماء المستندة إلى أدلة شرعية قوية. فهل يُعقل أن يجتمع هؤلاء الصحابة والتابعون والفقهاء على مخالفة سنة النبي ﷺ؟ أم أن في الأمر سعة ورحمة للأمة؟
إن دراسة الفقه وأصوله تفتح آفاق الفهم الصحيح للدين، بعيدًا عن التعصب والجمود، وتُظهر كيف أن الشريعة الإسلامية قائمة على التيسير والسماحة، لا على التعنت والتشدد.