
سواقة الشاحنات (الترلات) في مصر: الواقع والمأمول مقارنة بالنظام الأوروبي
بقلم . عبدالحميد نقريش :
قيادة الشاحنات الثقيلة (الترلات) تمثل عصبًا رئيسيًا في قطاع النقل البري داخل مصر، فهي الوسيلة الأهم لنقل البضائع من الموانئ إلى المدن والمخازن، وبين المحافظات، ولكنها في الوقت ذاته أصبحت تمثل خطرًا حقيقيًا على الطرق بسبب سوء التنظيم، وغياب القوانين الرادعة أو عدم تفعيلها بالشكل الصحيح، مقارنةً بما هو مطبق في أوروبا.
السرعة: ما بين الواقع والعقلانية
في مصر، تفتقد غالبية الشاحنات لنظام تحديد السرعة، ويقودها البعض بسرعات تتجاوز الحدود المسموحة، بل وقد تتساوى أحيانًا مع سرعة السيارات الملاكي، خاصة على الطرق السريعة مثل طريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوي أو طريق السويس. هذه السرعة الزائدة تجعل من الشاحنة أداة قتل محتملة إذا حدث خطأ بسيط.
أما في أوروبا، فإن أقصى سرعة قانونية للشاحنة لا تتجاوز 90 كيلومتر/ساعة، ويتم تقييد هذه السرعة إلكترونيًا من خلال عداد مثبت في الشاحنة يسمى “محدد السرعة” (Speed Limiter)، ولا يمكن للسائق تجاوزه. هذا النظام لا يُترك لاجتهاد السائق، بل يتم ضبطه تقنيًا، ومن يخالفه يُغرم أو تسحب منه رخصة القيادة فورًا.
الحمل الزائد: قاتل صامت على الطرق
الشاحنات في مصر غالبًا ما تسير بحمولة زائدة تفوق الحد المسموح به، في محاولة من شركات النقل لتعظيم أرباحها. هذا الحمل الزائد يضر بالبنية التحتية للطرق والكباري، ويزيد من خطر وقوع الحوادث، كما يقلل من عمر الشاحنة نفسها.
في المقابل، تطبق أوروبا نظامًا صارمًا للحمولات، فكل شاحنة يجب ألا تتجاوز الحد المسموح به حسب عدد المحاور، ويتم وزن الشاحنة عند المراكز الأمنية أو على موازين ذكية مثبتة في الطرق، وأي تجاوز يُسجل إلكترونيًا ويُحاسب عليه فورًا.
الالتزام بالجانب الأيمن: ثقافة غائبة في مصر
في أوروبا، يعتبر الالتزام بالجانب الأيمن أمرًا إلزاميًا للشاحنات، ولا يُسمح لها بتجاوز المركبات الأخرى إلا في حالات نادرة وبشروط صارمة. أما في مصر، فالشاحنات تسير أحيانًا في جميع الحارات، بل وتحتل الحارات السريعة، مما يعوق حركة السير ويتسبب في حوادث مروعة.
عدد ساعات القيادة والتشغيل: من أجل سلامة الجميع
في الدول الأوروبية، يُمنع سائق الشاحنة من القيادة المتواصلة لأكثر من 4.5 ساعات دون راحة. بعد ذلك يجب أن يرتاح السائق لمدة 45 دقيقة على الأقل. ويوجد سقف يومي لا يمكن تجاوزه وهو 9 ساعات قيادة فقط في اليوم، مع يوم راحة كامل أسبوعيًا. ويتم تسجيل ذلك عبر جهاز يُسمى “الكرونوغراف”، وهو كمبيوتر يسجل تلقائيًا كل حركة للمركبة، ومن يخالف ذلك يتعرض للمساءلة القانونية.
أما في مصر، فلا توجد رقابة إلكترونية حقيقية على عدد ساعات قيادة السائق، مما يؤدي إلى إرهاق السائق وفقدان التركيز وبالتالي زيادة خطر الحوادث، إضافة إلى إرهاق المحرك بسبب التشغيل المستمر دون فترات راحة.
سواقة الشاحنات (الترلات) في مصر: الواقع والمأمول مقارنة بالنظام الأوروبي
النتائج الإيجابية للنظام الأوروبي
تطبيق هذا النظام الصارم في أوروبا أدى إلى:
• انخفاض نسبة الحوادث القاتلة المرتبطة بالشاحنات.
• الحفاظ على كفاءة المحرك لأطول فترة.
• تقليل تآكل الطرق نتيجة ضبط الحمولات.
• توفير بيئة عمل صحية وآمنة لسائقي الشاحنات.
الخلاصة: مصر بحاجة لتطبيق نظام حديث ومُلزم
إن واقع قيادة الشاحنات في مصر يحتاج إلى ثورة تنظيمية وتشريعية، تبدأ من:
• تركيب أجهزة تسجيل سرعة وتشغيل على كل شاحنة.
• تحديد عدد ساعات القيادة اليومية إلكترونيًا.
• تفعيل الرقابة على الحمولات والسرعة.
• غرس ثقافة الالتزام بالجانب الأيمن.
• فرض غرامات حقيقية وفعّالة على المخالفين.
الهدف ليس فقط تقليل الحوادث، بل بناء نظام نقل آمن وعادل
ومستدام يخدم الاقتصاد الوطني ويحمي الأرواح.