اخبار عربية

شبكة العنكبوت الأوكرانية

شبكة العنكبوت الأوكرانية

لواء دكتور/ سمير فرج

متابعة عادل شلبي

في عملية مفاجئة لم يكن يتوقعها أحد، نفذت أوكرانيا أكبر هجوم بطائراتها المُسيّرة بدون طيار، نفذها جهاز الأمن الأوكراني في عمق الأراضي الروسية بتاريخ الأول من يونيو 2025م، حيث استهدفت العملية خمس قواعد جوية روسية في عمق البلاد، حتى مسافة 4000 كم، وهي: بلايا، دياغيليفو، إيفانوفو سيفيرني، أولينيا، أوكرينكا.

حيث تم تدمير وإحداث أعطال في أكثر من 40 طائرة، تمثل أفضل ما لدى روسيا في “الثالوث النووي” الروسي الجوي والبحري والأرضي. وهي الطائرات التي تحمل القنابل النووية. ومن بينها طائرات قاذفة استراتيجية من طراز تو-95 إم إس، وتو-22 إم 3، وواحدة على الأقل من طراز إي-50 لتنسيق العمليات الجوية، كذلك طائرات “توبوليف 160 بلاك جاك” والتي تُعرف باسم “البجعة البيضاء” وقدرت الخسائر الروسية بحوالي 7 مليار دولار.

وقد تم مهاجمة هذه الأهداف بمُسيّرات من طراز “بيرقدار” التركية، وتم إخفاؤها داخل شاحنات كبيرة، تشبه تلك التي تحمل المعدات والمعونات الإنسانية إلى أهالي غزة، حيث تم إطلاق الطائرات المُسيّرة من داخل هذه الشاحنات ومن داخل الأراضي الروسية بالقرب من المطارات والقواعد الجوية الروسية المستهدف تدميرها الطائرات الموجودة داخلها.

وصفت هذه العملية بأنها أكبر عملية بمُسيّرات، بتاريخ الحرب الروسية الأوكرانية حيث شاركت فيها 117 طائرة مُسيّرة. ووفقًا لقيادة العمليات الأوكرانية، فإن التخطيط لهذه العملية استغرق عامًا ونصف، ولم يتم إبلاغ الولايات المتحدة بفكرتها أو حتى عند تنفيذها.

وقد قامت الفكرة على نقل كبائن خشبية تشبه المنازل الروسية، وتم تجميعها سرًا في مستودعات في منطقة بمقاطعة شيليا بنك. ومع ساعة الصفر، قام الأوكرانيون بتجهيز الكبائن، ووضع الطائرات المُسيّرة بداخلها، ثم انطلقت الشاحنات إلى مناطق الإطلاق، قُرب القواعد الجوية الروسية، مما يبرر عدم اكتشافها بالرادارات أو التعامل معها بوسائل الدفاع الجوي.

ويتساءل البعض: كيف لم يتم اكتشاف وتدمير هذه الطائرات المُسيّرة؟ الجواب هو أن التخطيط لإطلاقها تم من خلف وسائل عناصر الدفاع الجوي الروسي إس-400 وإس-500، لذلك كانت فكرة ذكية من الأوكرانيين بإطلاق المسيرات من خلف هذه الأنظمة، كذلك عدم استخدام الطائرات المُسيّرة نظام GPS لتحديد المواقع حتى لا تتعرض لأي تدخل من القوات الروسية.

أما كيف تعرّفت الطائرات المُسيّرة على أهدافها من الطائرات الروسية على الأرض؟ فلقد تم ذلك من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، حيث تم تركيب صورة لكل طائرة روسية مطلوب تدميرها حسب نوعها في “عين” الطائرة المُسيّرة، فانطلقت الطائرة مباشرة إلى هدفها الروسي على الأرض، وفقًا للصورة المخزّنة داخلها.

وهكذا، أصابت الطائرة هدفها مباشرة دون أن تحيد، فلم تقوم بتدمير مواقع صاروخية أو مخازن داخلية، بل كانت الضربات محدودة ودقيقة ضد الطائرة الهدف، وأصابت أهدافها بنجاح.

وبتحليل ما حدث في هذا الهجوم، نجد انه في اليوم التالي، بدأت جميع مراكز الأبحاث العسكرية في العالم بدراسة وتحليل هذه العملية، التي تُعد ثاني أكبر عملية عسكرية مفاجئة في العالم بعد هجوم اليابان على الأسطول الأمريكي في ميناء بيرل هاربر.

وتفيد التقارير الأولية بأن روسيا، خلال ثلاثة أعوام من الحرب، كانت تستخدم المُسيّرات بكميات كبيرة ومنخفضة التكاليف، بهدف استنزاف الدفاعات الأوكرانية والتأثير على الروح المعنوية للجيش والشعب. أما أوكرانيا، فاستراتيجيتها كانت قائمة على ضرب أهداف عالية القيمة، ما جعل الضربات موجعة للقوات روسية.

في المقابل، تستخدم روسيا حاليًا مُسيّرات “شاهد” الإيرانية، والتي يتم تصنيعها بأعداد كبيرة داخل روسيا، وبالتالي فانها تستنزف الدفاعات الجوية الأوكرانية.

وأكدت معظم مراكز الدراسات الاستراتيجية في العالم أن المُسيّرات سيكون لها دور رئيسي في المستقبل، حيث إن هذه الطائرات التي لا تتعدى تكلفتها بضعة آلاف من الدولارات، تؤدي نفس المهام التي تقوم بها طائرات الشبح، والتي تتكلف ملايين الدولارات.

ومن هنا، تمنح الطائرات هذه المُسيّرة القوة للدول غير القادرة عسكريًا، لتصبح لها قوة جوية تنفذ المهام التي تقوم بها القوات الجوية للدول الكبرى.

ولقد تناولت في الأسابيع الماضية عدة مقالات حول استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، وكان البعض يشكك، في أهمية استخدام الذكاء الصناعي عسكريا لكن ما ذكرته تحقق في هذه الضربة الأوكرانية ضد “الثالوث النووي” الروسي.

ويُعد أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي في تحديد الأهداف بدقة غير مسبوقة، فبدلًا من الاعتماد على الطيارين أو التوجيه التقليدي، اصبحت الطائرات تتعرف على أهدافها بصريًا وتنفذ المهام بدقة عالية وهذا يُظهر إلى أي مدى أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من أدوات القتال المعاصرة.

وأعتقد أن جميع مراكز الدراسات الاستراتيجية لقوات الدفاع الجوي في العالم ستقوم بتحليل هذا الهجوم، بهدف فهم نقاط القوة والضعف في استخدام هذه المُسيّرات، وأسلوب تخطيطها لتفادي وسائل الدفاع الجوي وخاصة الرادارات.

أما على الطرف الآخر، فإن هناك تطويرًا قادمًا في عالم المُسيّرات، سواء في التسليح أو الاستخدام، خاصة مع ما ذكرته الأنباء مؤخرًا عن قيام الصين بتصنيع طائرة ضخمة تحمل 400 طائرة مُسيّرة تُطلقها دفعة واحدة من الجو ضد أهداف معادية. وفي الوقت ذاته، تطير معها طائرات تشويش للتعامل مع الرادارات المعادية، ومواقع الليزر، التي تُستخدم ضد هذه المسيرات.

وعلى أي حال، سيشهد العالم في الفترة القادمة تطورًا كبيرًا في أسلوب استخدام المُسيّرات، وأساليب التصدي لها من قِبل الدفاعات الجوية، واكتشافها والتعامل معها.

وهكذا، فإن العلم والتكنولوجيا هما من سيقود الفكر العسكري في الأعوام القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى