الدكروري يكتب عن شعار الإسلام لبيك اللهم لبيك
بقلم / محمـــد الدكـــروري
وضحت لنا كتب الفقه الإسلامي الكثير والكثير عن العشر أيام من شهر ذي الحجة، وهي أفضل أيام العام، والعمل الصالح فيها أفضل منه في سائر أيام العام لقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “ما من عمل أَزكى عند الله عز وجل ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى” قيل ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال “ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء” فبمقتضى هذا الحديث، ألا عمل صالح يعمله الإنسان من صلاة وقراءة، وذكر ودعاء، وصدقة وبر، وصلة وإحسان، فهو أفضل من مثيله في سائر العام، حتى كان العمل الصالح فيها أفضل من الجهاد في سبيل الله تعالى الذي هو أفضل الأعمال، وأمهات الأعمال الصالحة تجتمع فيها إذ هي موسم الحج.
وهو ركن الإسلام الخامس، ويشرع صيامها، ولا سيما صيام يوم عرفه إذ يكفر سنتين الماضية والباقية، ولنعلم أن الحج وحدة من وحدات الإسلام، وصورة ناصعة من صور الاتحاد، توحي بأن ديننا جزء لا يتجزأ، ولا يقبل التجزؤ فهو ينادي أحبته بأن يجتمعوا ولا يتفرقوا، ويتفقوا ولا يختلفوا، وليحذروا أي طريق يسلك بهم إلى التنازع فإن عدوهم لهم بالمرصاد، يهزأ بهم، ويسخر من صنعهم حينما يراهم شيعا وأحزابا، ولتكن قلوبنا كما هي في يوم الموقف في عرفات، وليكن قولنا واحدا كما هو شعارنا في حجنا لبيك اللهم لبيك وليكن هدفنا واحدا كما هو في حجنا ابتغاء لوجه الله والدار الآخرة، فلا نشتغل بطرد الذباب، والعدو قد انطلق من عرينه وله زئير يهز القلوب هزا، فإن الحج هو القصد.
فليس القصد الضيق المعاين فحسب، لا بل هو أن نربط الأفئدة، وندرب الألسنة على كلمة الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل هو إبعاد شبح الخلافات بيننا حتى لا يتحول جدال الألسن إلى قرقعة السنان بيننا، في كل عام يدعونا ربنا لتزكية نفوسنا، ونبذ ما في نفوسنا من شحناء وبغضاء، والإقبال على الحياة من جديد، وبروح ملؤها المحبة والعطف والتسامح والإنسانية، وقبل ذلك شرع لنا حدودا نقف عندها، لا لنغسل الأدران المادية فقط، بل والمعنوية أيضا، فمن تلك الحدود لا رفث، ولا فسوق، ولا جدال، نعم، مرحلة تأهيلية يخوضها الحاج خلال أشهر الحج ليست لتلك الفترة فقط بل ليعمل بها إذا عاد إلى بلده ومع إخوته والناس أجمعين، وقد اختار الله تعالى لأداء مناسكه أشرف زمان.
وأطهر مكان، وأقدس بقعة، واختص المناسك بشعائر ليست لغيرها، وحرم زمانها ومكانها، وألزم بالإحرام من قصدها، وجعل مراعاة حرمتها، وتعظيم شعائرها دليلا على التقوى، والحج في شعائره وأعماله وزمانه ومكانه مما يرسخ التوحيد في القلوب، وهو دليل على إيمان من أداه على الوجه المطلوب.