الأربعاء, أغسطس 6, 2025
الرئيسيةمقالات دينيةعاشق مصر / شيخ الأزهر الإمام عبد لله الشبراوي – رحمه الله ٠ (1681 ــ 1758)
مقالات دينية

عاشق مصر / شيخ الأزهر الإمام عبد لله الشبراوي – رحمه الله ٠ (1681 ــ 1758)

عاشق مصر / شيخ الأزهر الإمام عبد لله الشبراوي - رحمه الله ٠ (1681 ــ 1758)

عاشق مصر
شيخ الأزهر الإمام عبد لله الشبراوي – رحمه الله ٠
(1681 ــ 1758)

بقلم : السعيد عبد العاطي مبارك الفايد – مصر ٠

أعد ذكر مصر، إن قلبي مُولعٌ
بمصر، ومن لي أن تري مقلتي مصرا؟
وكرر علي سمعي أحاديث نيلها
فقد ردت الأمواج سائلهُ نهرا
بلاد بها مدّ السماح جناحه
وأظهر فيها المجد آيته الكبرى ٠
—–
فضيلة الامام عبد الله الشبراوي ، هو الشيخ الثالث والعشرون بين مشايخ الأزهر، وهو بمعيار الفن أشعر مشايخ الأزهر لدرجة أن له قصيدة راجت في أوساط الموسيقى عبر الأجيال حتى غنّتها السيدة أم كلثوم “وحقك أنت المنى والطلب” ٠
و هو صاحب أطول مدة في منصب شيخ الأزهر 1725 ـ 1758 وهو صاحب المواهب المتعددة في أستاذية العلوم الأزهرية، فهو فقيه وأصولي وهو محدث ومتكلم ٠

عزيزي القارىء الكريم ٠٠
في البداية يظل الأزهر الشريف جامع و جامعة أضاء جنبات العالم منذ قرون و قدم دعوة و رسالة الإسلام العالمية من منظور الوسطية القائمة على الرحمة و العدل و التسامح و السلام و قبول الأخر، و نبذ المغالاة و التشدد و التطرف و الإرهاب، و ضرب لنا أروع الأمثال في القول الحسن الجميل و العمل الخالص الصادق هكذا ٠٠
و قد مدحه أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدة عصماء:

و في رحاب الشعر كان له صولات و جولات تنطق بالحق و عبقرية النصوص الشعرية التي تتناول القضايا الدينية و الاجتماعية و الوطنية و الحكمة و الحب الصافي الذي يشرق من أعماق الوجدان المحب للحياة معا ٠

*ملامح من سيرته الذاتية :
الشيخ عبد الله الشبراوي (1681 ــ 1758) هو الشيخ الثالث والعشرون بين مشايخ الأزهر،
و هو صاحب أطول مدة في منصب شيخ الأزهر 1725 ـ 1758 م ٠
هذا هو الإمام الشبراوي ، عبد الله بن محمد بن عامر بن شرف الدين، الشبراوي الشافعي، وقد عرّفه الجبرتي في “عجائب الآثار في التراجم والأخبار” بقوله: “الشيخ الإمام الفقيه، المتحدث الأصولي، المتكلم الماهر، الشاعر الأديب”.
ولد علي وجه التقريب بالقاهرة عام 1092 هجري، وقال الجبرتي: “وهو من بيت العلم والجلالة، فجده عامر بن شرف الدين، ترجمه الأمينيّ في الخلاصة، ووصفه بالحفظ والذكاء”، وتلقي أول إجازة دراسية وعمره نحو ثماني سنوات من الشيخ محمد بن عبد الله الخرشي، وإن كانت مصادر كثيرة وحديثة أثبتته باسم (الخراشي)، وهو أول شيخ للأزهر في العصر الحديث ومنذ ابتداء الاحتلال العثماني لمصر، وكان شيخ المذهب المالكي في ذلك العصر، ثم أخذ العلوم عن مجموعة من الشيوخ كالشيخ خليل بن إبراهيم اللقاني والشهاب الخليفي والشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني والشيخ أحمد النفراوي وغيرهم، فمضي يترقي في الأزهر، حتى أقر شيخا للجامع عام 1137هجري (1724 / 1725 ميلادي) بعد وفاة الشيخ إبراهيم بن موسي الفيومي المالكي، ليكون الشبراوي سابع شيخ للجامع الأزهر في تاريخه الحديث، وأول شيخ للأزهر من الشافعية (أحمد البلك: شيوخ الأزهر… من الخراشي إلي طنطاوي، مجلة “أكتوبر”، 20 سبتمبر 2009

عرف الشيخ الشبراوي بحب العلم والإقبال علي تحصيل المعرفة، ويأتي الدليل علي ذلك مما ذكره الجبرتي عن شغفه باقتناء “الكتب المكلفة النفيسة بالخط الحسن”، مما رفع من مقامه وأسبغ عليه الهيبة في أعين الخواص قبل العوام، وقد مكنه طول مقامه في موقع شيخ الأزهر، حيث استمرت مشيخته للأزهر قرابة خمسة وثلاثين عاما، من بناء دار عظيمة علي بركة الأزبكية وبالقرب شارعي البكرية والرويعي، فصار كما يقول الجبرتي:
“ذا جاه ومنزلة عند رجال الدولة والأمراء، ونفذت كلمته، وقبلت شفاعته، وصار لأهل العلم في مدته رفعة مقام ومهابة عند الخاص والعام”.
= وله ديوان شعر جزل رصين متنوع ٠

وما تحقق له من مكانة وثراء، لم يصرفه عن الإنتاج العلمي، كما ثابت في المواقع إنتاج غزير المصادر ٠٠

و هذه بعض من مؤلفاته :
ففي مجال العقيدة قدم الكتب التالية:
“العقد الفريد في استنباط العقائد من كلمة التوحيد”، “شرح الجامع الصغير”، “شرح أحكام ابن عطاء الله السكندري”، “الإتحاف بحب الأشراف”، وله في مجال الأدب كتب منها:
“عروس الآداب وفرحة الألباب في تقويم الأخلاق ونصائح الحكام وتراجم الشعراء”، “عنوان البيان وبستان الأذهان في الأدب والأخلاق والوصايا والنصائح”، “نزهة الأبصار في رقائق الأشعار”، “نظم بحور الشعر وأجزائها”. وأدلي بدلوه في مجال التاريخ بكتاب “شرح الصدر في غزوة بدر”. ولما كان الشيخ شاعرا فقد سخر ملكاته الشعرية في نظم بعض العلوم شعرا، ومن ذلك نظمه للأجرومية في علم النحو، بالإضافة إلي ديوانه “مفاتح الألطاف في مدائح الأشراف” والذي طبع مرارا، و”الأجرومية” أو “متن الأجرومية” عنوان لكتاب في علم النحو، ألفه أبو عبد الله محمد بن محمد بن داود الصنهاجي المعروف بابن أجروم (توفي 723 هجري).

كان نظم العلوم مقياسا لشاعرية الشاعر ومدي تمكنه من أدوات فنه، وهو ما نهض دليلا عليه. وديوان الشبراوي “يحتوي علي غزليات ومقاطيع”، كما سجل الجبرتي، واشتهر الديوان بين الناس وتداولته الأيدي، وصار منهلا لأهل الغناء، نهلوا منه كل عذب وصاف من المشاعر الرقيقة والوجدانيات العفيفة، ولسنا نعلم الآن شيئا عن ذلك الديوان، سوى قصائد وقطع تناثرت بين بعض كتب التاريخ والتراجم، ومن ذلك ما أورده الجبرتي، ومنها قصيدة طويلة يبلغ عدد أبياتها ستة وخمسين، بعث بها الشيخ الشبراوي إلي والي مصر عبد الله باشا الكبورلي مع تابع للوالي، واستهلها بالأبيات التالية:
مُحبك يا شقيق الروح يرجو
مجيئك للتأنس والسرور
ويُنهي أنه لك ذو اشتياق
تضيق له فسيحات السطور
ويأمل منك في ذا اليوم تأتي
وتُنعم بالجلوس أو المرور ٠٠

عرف الشيخ الشبراوي بكرم النفس وسعة الأفق، مما ينبئ بفطرة إنسانية سليمة، وليس هناك ما هو أدل علي ذلك من موقفه إزاء حج نصارى مصر إلي بيت المقدس، فبينما اعترض بعض الشيوخ علي خروج موكب لمن أرادوا الحج من النصارى عام 1166 هجري (1752 – 1753 ميلادي)، وأوعزوا للعامة أن يغيروا علي الموكب وينهبوه، كتب الشيخ الشبراوي فتوى جاء فيها: “إن أهل الذمة لا يمنعون من دياناتهم وزياراتهم” (الجبرتي: المرجع السابق). إن شاعرا علي هذا القدر من الرقي الإنساني والتسامح، لا بد أن تلمس أشعاره شغاف القلوب وكوامن النفوس، لذلك مثل ديوانه موردا عذبا لأهل الغناء في عصره ومن بعده، كي يقتطفوا منه القصائد والمقطوعات الجزلة ليجملوا بها أصواتهم، وقد حفظت بعض الكتب التي أرخت للغناء نماذج مما ترنم به البعض من شعر الإمام الشبراوي، ومن تلك النماذج قصيدة أثبتها محمد بن إسماعيل بن عمر شهاب الدين في كتاب “سفينة الملك ونفيسة الفلك”، وتبدأ بالأبيات التالية:
أما ومن الجمال أنعم
وعم بالحسن منك مبسم
وأودع السحر في عيون
هاروت من جفنها تعلم
وما حوى الثغر من لآلي
فريدها فيه قد تنظم
وطيب أخلاقك اللواتي
بطيبهن النسيم يعلم ٠

*من شعره :
————–
مع قصيدته في حب مصر حيث يتشوق إليها في حنين منقطع النظير في إحدى رحلاته و في غربته عن وطنه ، حيث ابتعد عنها جسما لا روحا و هي ملازمة له في خاطره ، فيقول شيخ الأزهر عبد الله الشبراوي متغزلا في ملحمته الرائعة :
قال يتشوق إلى مصر ويمدح أهل البيت « ع » :
أعد ذكر مصرَ إن قلبي مولع
بمصرَ ومَن لي أن ترى مقلتي مصرا
وكرر على سمعي أحاديث نيلها
فقد ردّت الأمواج سائلة نهرا
بلادٌ بها مدّ السماح جناحه
وأظهر فيها المجد آيته الكبرى
رويداً إذا حدثتني عن ربوعها
فتطويل أخبار الهوى لذة اخرى
إذا صاح شحرور على غصن بانة
تذكرت فيها اللحظ والصعدة السمرا
عسى نحوها يلوي الزمان مطيتي
وأشهد بعد الكسر من نيلها جبرا
لقد كان لي فيها معاهد لذة
تقضت وأبقت بعدها أنفساً حسرى
أحنّ الى تلك المعاهد كلما
يجدد لي مرّ النسيم بها ذكرى
اما والقدود المائسات بسفحها
وألحاظ غادات قد امتلأت سحرا
وما في رباها من قوام مهفهف
علا وغلا عن ان يباع وان يشرى
لئن عاد لي ذاك السرور بأرضها
وقرّت بمن أهواه مقلتي العبرا
لأعتنقن اللهو في عرصاتها
وأسجد في محراب لذاتها شكرا
رعى الله مرعاها وحيّا رياضها
وصب على أرجائها المزن والقطرا
منازل فيها للقلوب منازه
فلله ما أحلى ولله ما أمرا
يذكرني ريح الصبا لذة الصِبا
بروضتها الغنّا وقد تنفع الذكرى
على نيلها شوقاً أصبّ مدامعي
وأصبوا الى غدران روضتها الغرّا
كساها مديد النيل ثوباً معصفراً
وألبسها من بعده حلّة خضرا
وصافح أغصان الرياض فأصبحت
تمدّ له كفاً وتهدي له زهرا
وأودع في أجفان منتزهاتها
نسيماً اذا وافاه ذو علة تبرا
اذا حذّرتني بلدة عن تشوّقي
الى نيل مصر كان تحذيرها أغرى
وان حدثوني عن فرات ودجلة
وجدت حديث النيل أحلى اذا مرّا
سأعرض عن ذكر البلاد وأهلها
وأروى بماء النيل مهجتي الحرّا
وكم لي الى مجرى الخليج التفاتة
يسل بها دمعي على ذلك المجرى
جداول كالحيات يلتف بعضها
ولست ترى بطناً وليست ترى ظهرا
وكم قلت للقلب الولوع بذكرها
تصبّر فقال القلب لم استطع صبرا
أما والهوى العذري والعصبة التي
أقام لها العشاق في فنهم عذرا
لئن كنت مشغوفاً بمصر فليس لي
بها حاجة إلا لقاء بني الزهرا
أجل بين الدنيا وأشرف أهلها
وأنداهُم كفاً وأعلاهم قدرا
هم القوم ان قابلت نور وجوههم
رأيت وجوهاً تخجل الشمس والبدرا
وان سمعت اذناك حسن صنيعهم
وجئت حماهم صدّق الخبرُ الخبرا
لهم أوجهٌ نور النبوة زانها
بلطف سرى فيهم فسبحان من أسرى
هم النعمة العظمى لأمة جدهم
فيا فوز من كانوا له في غدٍ ذخرا
اذا فاخرتهم عصبة قرشية
فجدهم المختار حسبهم فخرا
ملوك على التحقيق ليس لغيرهم
سوى الاسم وانظرهم تجدهم به أحرى ٠
رحم الله شيوخ الأزهر الشريف رجال حملوا رسالة الخير إلى الإنسانية و رمز من رموزه النابهين الشيخ عبد الله الشبراوي

عاشق مصر / شيخ الأزهر الإمام عبد لله الشبراوي – رحمه الله ٠ (1681 ــ 1758)

عاشق مصر / شيخ الأزهر الإمام عبد لله الشبراوي - رحمه الله ٠ (1681 ــ 1758)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »