وقفة في منتصف الطريق فتاة تطلب النزول فجأة بعد مكالمة تنهي علاقتها الطويلة ، رجل كبير يسترجع ذكريات الحب الأول بمجرد مروره بشارع كان يلتقي فيه بمحبوبته ، شاب يعاني نوبة هلع ويطلب النزول هربا من زحمة المكان ، امرأة مكتئبة تبحث عن إشارة لتبدأ من جديد فتسمع من الراديو حكمة تفتح لها بابا.
موظف مرهق نفسيا يتخذ قرار الاستقالة بعدما يشعر بانفجار داخلي في الطريق للعمل ، رجل وحيد يطلب من السائق التوقف لأنه يريد أن يمشي بلا وجهة ، عجوز ينزل قرب مدرسة ليسدي نصيحة لجيل المستقبل رغم أنه لا يعرف أحدا هناك ، فنان يبحث عن الإلهام في الشوارع كل نزول بداية لوحة جديدة ، كاتبة ترى في كل توقف فرصة لكتابة قصة ، رجل ينزل من السيارة ليشتري وردا فجأة “قرار اعتذار ” ، طفل يتحدث للسائق وكأنهما يعرفان بعضهما البعض
” لحظة براءة ” ، شاب يعيد سرد ماضيه عند كل ” نزول ” وكأنها جلسة تحليل ذاتي متنقلة ، سائق ينفجر بكلمات عن العدالة الاجتماعية عندما يطلب منه التوقف ، طفلة تطلب من أمها التوقف لأنها ترى مشهدا لا تفهمه لكنه يهزها ، رجل يرى مشهدا من حلمه في الواقع ويطلب التوقف عنده ، عجوز تتوقف أمام مستشفى وانها مازلت حية لأنها زارت من قبل صديقتها التي عانت من مرض وتوفيت ، نزول جميع الركاب وسط حادثة أو مشادة كلامية تجعل الجميع يعيد التفكير في مواقفهم.
شاب يرى مظاهرة بالصدفة ويقرر المشاركة “بداية صحوة ” ، وآخر يلتقط حوارا بين غرباء في الميكروباص يقلب نظرته للمجتمع ، أم تنزل أمام ملجأ أطفال لتزور ابنها الذي لايعرفها ، فتاة ترى وجها مألوفا في الشارع وتطلب النزول لتكتشف أنه والدها الذي لم تراه منذ سنين ، طفل يطلب التوقف أمام محل ألعاب ليحلم وأمه تستجيب له لأول مرة ، سيدة تطلب النزول كل يوم عند بائع الزهور رغم أنها لاتشتري ” بحثا عن لحظة دفء ” ، التوقف أمام شجرة أو نهر وكأنه لقاء مع الذات البدائية …. ففي قلب الزحام وسط صخب الحياة تقال جملة ( على جنب يا أسطى )
كأمر عادي لسائق سيارة أجرة ولكنها تحمل في طياتها ما هو أعمق من مجرد طلب للتوقف هي صرخة داخلية تنطق بها الأرواح المثقلة وكأنها تطلب لحظة تنفس ، وقفة هادئة على هامش عالم لا يهدأ فقد تكون بداية قصة أو نهاية مرحلة في حياة الكثيرين من علاقة مؤلمة أو عمل مخنق أو حتى فكرة كانت تسكن طويلا في الذهن إنها لحظة اكتشاف الذات في منتصف الطريق حتى يتوق الإنسان إلى التحرر من عجلة تدور دون توقف.
( على جنب يا أسطى ) جملة فيها من الحميمية ما يجعلها مألوفة ومن التوتر ما يجعلها عاصفة ومن الحكمة ما يجعلها استثنائية هي ليست فقط تواصلا بين راكب وسائق بل تواصل بين فرد وحالة ، بين داخل متمرد وخارج مزدحم وقد تتحول هذه العبارة إلى استعارة لحالة نفسية كنوع من التوقف الذهني من الانسحاب من معركة أو حتى من استراحة محارب فهي لحظة تأمل وسط الضجيج وهي في ذات الوقت تعبير شعبي نابض بالحياة فقصة تبدأ بالركوب وتنتهي بنزول يغير كل شيء والنزول هو الاستقالة من سباق الحياة الزائف.
وفي النهاية دعونا نلقي الضوء بأن لاندع مشاكل الحياة وضغوطها تمنعنا من التمتع بالهدوء الداخلي ونغض الطرف عن الأمور التي لا تستحق القلق ونغلف أنفسنا بالصفاء الداخلي والاتزان رغم كل مايدور حولنا بل هي دعوة للانتباه إلى تلك اللحظات الصغيرة التي تعيد ترتيب كل شيء وتعيد للإنسان ملكية الطريق ولو للحظة فليست كل وقفة نهاية فقد تكون بداية أجمل مما نتخيل .. ياترى لو كل واحد فينا وقف ” على جنب ” لحظة.. إيه الحاجه اللي محتاج يعيد ترتيبها جواه قبل ما يكمل المشوار !