عندما قالوا صدق الوليد بن المغيرة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظلم الشهوات، وأخلص عقولهم عن ظلم الشبهات، أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة، وبراهين عظمته القاهرة، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله، واغترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات، شهادة تقود قائلها إلى الجنات وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، والمبعوث إلى كافة البريات، بالآيات المعجزات، والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة، وأصحابه الفضلاء الثقات، وعلى أتباعهم بإحسان، وسلم كثيرا ثم أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية التاريخية وكتب السيرة النبوية الشريفة الكثير عن رحلة الإسراء والمعراج، وكانت حادثة الإسراء والمعراج قبل هجرة النبي المصطفي محمد صلي الله عليه وسلم إلى المدينة.
وقد إختلف في تعيين زمن هاتين الحادثتين على أقوال شتى، فقيل كان الإسراء في السنة التي أكرمه الله تعالي فيها بالنبوة، وقيل كان بعد المبعث بخمس سنين، وقيل كان ليلة السابع والعشرين من شهر رجب في السنة العاشرة من النبوة، وقيل قبل الهجرة بستة عشر شهرا أي في رمضان في السنة الثانية عشر من النبوة، وقيل قبل الهجرة بسنة وشهرين، أي في المحرم في السنة الثالثة عشر من النبوة، وقيل قبل الهجرة بسنة، أي في ربيع الأول في السنة الثالثة عشر من النبوة، وردّت الأقوال الثلاثة الأول بأن السيدة خديجة رضي الله عنها توفيت في رمضان سنة عشر من النبوة، وكانت وفاتها قبل أن تفرض الصلوات الخمس، ولا خلاف أن فرض الصلوات الخمس كان ليلة الإسراء، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رحلته الميمونة أخبر قومه بذلك.
فقال لهم في مجلس حضره المطعم بن عدي، وعمرو بن هشام والوليد بن المغيرة، فقال “إني صليت الليلة العشاء في هذا المسجد، وصليت به الغداة، وأتيت فيما دون ذلك بيت المقدس، فنشر لي رهط من الأنبياء منهم إبراهيم، وموسى وعيسى، وصليت بهم وكلمتهم” فقال عمرو بن هشام كالمستهزئ به صفهم لي، فقال “أما عيسى ففوق الربعة ودون الطول عريض الصدر، ظاهر الدم، جعد أشعر تعلوه صهبة، كأنه عروة بن مسعود الثقفي، أما موسى فضخم آدم طوال، كأنه من رجال شنوءة، متراكب الأسنان، مقلص الشفة خارج اللثة، عابس، وأما إبراهيم فوالله إنه لأشبه الناس بي، خلقا وخُلقا” فقالوا يا محمد فصف لنا بيت المقدس، قال “دخلت ليلا وخرجت منه ليلا” فأتاه جبريل بصورته في جناحه، فجعل يقول “باب منه كذا، في موضع كذا، وباب منه كذا، في موضع كذا”
ثم سألوه عن عيرهم، فقال لهم “أتيت على عير بني فلان بالروحاء، قد أضلوا ناقة لهم، فانطلقوا في طلبها، فانتهيت إلى رحالهم ليس بها منهم أحد، وإذا قدح ماء فشربت منه، فاسألوهم عن ذلك” قالوا هذه والإله آية “ثم إنتهيت إلى عير بني فلان، فنفرت مني الإبل، وبرك منها جمل أحمر، عليه جوالق مخطط ببياض، لا أدري أكسر البعير، أم لا، فاسألوهم عن ذلك” قالوا هذه والإله آية ” ثم إنتهيت إلى عير بني فلان في التنعيم، يقدمها جمل أورق، وها هي تطلع عليكم من الثنية” فقال الوليد بن المغيرة ساحر، فانطلقوا فنظروا، فوجدوا الأمر كما قال، فرموه بالسحر، وقالوا صدق الوليد بن المغيرة فيما قال، وسعى بعض الناس إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فقالوا هل لك إلى صاحبك، يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس، قال أو قال ذلك؟
قالوا نعم، قال لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة، فلذلك سمي أبو بكر الصديق.