الدكروري يكتب عن بساطة الرسول
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد كان رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم متواضعا، سمحا، لينا، هينا، بشوشا، عطوفا، كريما، سخيا، صافيا، ولم يكن يوما فظا أو غليظ القلب، فيقول مهاتما غاندي في حديث لجريدة ينج إنديا عن النبي صلي الله عليه وسلم “أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك قلوب ملايين البشر، لقد أصبحت مقتنعا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول، مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته” ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” لأن إكمال ما يحتاج إليه البشر من مكارم الأخلاق، وغرسه في نفوسهم رحمة لهم في الدنيا.
ومنزلة عليا لهم في الآخرة، وتقاس عظمة الإنسان بأخلاقه، فما أجمل هذه التربية وهذه الصفات إذا تخلق بها النشء، وانتشرت في المجتمع، وإن من الأخلاق هو أخلاق النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم مع ثمامة بن أثال، ومن ذلك إسلام ثمامة بن أثال وبيان جميل خلقه صلى الله عليه وسلم معه فروى البخاري ومسلم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنهم اجمعين قال “بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل يقال له ثمامة بن أثال، وهو سيد أهل اليمامة، فربط الصحابة ثمامة بن أثال في سارية، أي في عمود من أعمدة المسجد النبوي، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فوجد ثمامة مربوطا في سارية من سواري المسجد فعرفه لأن ثمامة كان سيدا في قومه.
فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له “ماذا عندك يا ثمامة؟” قال عندي خير يا محمد، إن تقتل تقل ذا دم، يعني إن قتلتني قتلت رجلا له مكانته في قبيلته، ولن تفرط قبيلتي في دمي وفي الأخذ بثأري “إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر” يعني فإن أطلقتني سأعترف لك بهذا الجميل وسأشكره لك ما حييت، وإن كنت تريد مالا فسل تعط من المال ما شئت، فتركه صاحب الخلق الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي اليوم الثاني دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فأقبل على ثمامة فقال له “ماذا عندك يا ثمامة؟” قال عندي ما قلت لك يا محمد، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط من المال ما شئت، فتركه صاحب الخلق الكريم صلى الله عليه وسلم.
وفي اليوم الثالث دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فأقبل على ثمامة فقال ماذا عندك يا ثمامة؟” قال عندي ما قلت لك يا محمد، إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط من المال ما شئت، فقال النبي صلي الله عليه وسلم “أطلقوا ثمامة، أطلقوا ثمامة لا نريد فدية ولا مالا، بل ولا نلزمه بالإسلام، ولا نكرهه على الإيمان أطلقوا ثمامة” فانطلق ثمامة بعد أن فكوا قيده وانطلق إلى أقرب نخل إلى جوار المسجد النبوي فاغتسل، ثم عاد مرة أخرى إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال “أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله” يا رسول الله، والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فأصبح وجهك الآن أحب الوجوه كلها إلي، والله ما كان على الأرض دين أبغض إلي من دينك.
فأصبح دينك أحب الدين كله إلي، والله ما كان على الأرض بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي، وإننا نعيش اليوم في مجتمعنا أزمة حقيقية، أزمة لا يعلم عواقبها إلاّ الله تعالى وقد تتصورون أنها أزمة اقتصادية وقد تتصورون أنها أزمة مواطن تدنت لديه المقدرة الشرائية أو قد تتصورون أنها أزمة سياسية أو قد تكون كذلك أو غير ذلك ولكن الأزمة الأعظم في هذا الخضم كله هي أزمة الأخلاق، نعم إننا نعيش اليوم أزمة قد مسّت الجميع دون استثناء، تكشفت على إثر الثورة بسبب التسيّب والانفلات في كل المستويات وتبيّن بالمعاينة أن غياب الرقابة والحزم يؤدي بالضرورة إلى الانحلال الأخلاقي والقيمي إلا ما رحم الله.