الدكروري يكتب عن مكة حامية الحرم
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد ولد رسول الله المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة، ومكة يومئذ هي القلب من جزيرة العرب، فهي المركز الديني الذي يعظمونه، وفيها الكعبة التي بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وإليها يحجون، وبها يطوفون، وفي قبيلة قريش التي كانت تقطن مكة كانت هذه الولادة، وهي قبيلة لها كل الاحترام والتقدير في نفوس العرب، فهي حامية الحرم والقائمة على شؤونه، والعرب أمة تعتز بالأنساب، إذ بها يعرفون، وبها يفتخرون، وفي هذا الوسط ولد النبي الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه، وهو محمد بن عبدالله، بن عبدالمطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصي، بن كلاب، بن مرة، بن كعب، بن لؤي، بن غالب، بن فهر، بن مالك، بن النضر، بن كنانة، بن خزيمة، بن مدركة، بن الياس، بن مضر، ابن نزار، بن معد، بن عدنان”.
وقال ابن القيم “إلى هنا معلوم الصحة، متفق عليه بين النسابين، ولا خلاف فيه البتة، وما فوق عدنان مختلف فيه، ولا خلاف بينهم أن عدنان من ولد إسماعيل عليه السلام” وأما أمه صلى الله عليه وسلم فهي آمنة بنت وهب، بن عبد مناف، بن زهرة، بن كلاب، بن مرة، بن كعب، بن لؤي، بن غالب، بن فهر، فهو صلى الله عليه وسلم خير أهل الأرض نسبا، وعن واثلة بن الأسقع قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم”رواه مسلم، ولقد شهد أعداء النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم بعلو هذا النسب، ففي حديث أبي سفيان بن حرب، عندما سأله هرقل عن نسب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو سفيان وهو يومئذ عدو لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو فينا ذو نسب، فقال هرقل سألتك عن نسبه، فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها، ومن المعلوم أن أعداءه صلى الله عليه وسلم جهدوا في البحث عن المطاعن التي ينالون بها منه، فأعياهم ذلك ولم يجدوا، فرموه بالسحر والجنون، مما يظهر معه كذبهم، ولكنهم لم يفكروا في النيل من نسبه لما يعلمون من مكانة هذا النسب، وينبغي أن نشير إلى أن نسبه صلى الله عليه وسلم كان الوسط والذروة في قريش، فليس هناك بطن من قريش إلا وللنبي صلى الله عليه وسلم قرابة فيهم، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة في قوله تعالى” قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة فى القربى” وفي تفسير هذه الآية عن ابن عباس رضي الله عنهما.
أنه سئل عن قوله ” إلا المودة فى القربى” فقال سعيد بن جبير، قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عباس عجلت، إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة” رواه البخارى، والمعنى فكأنه صلى الله عليه وسلم قال احفظوني للقرابة، إن لم تتبعوني للنبوة ” وكانت قريش تصل أرحامها، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قطعوه، فقال “صلوني كما تصلون غيري من أقاربكم” والاستثناء، في قوله ” إلا المودة” منقطع، كما قال في فتح الباري، فلم يطلب الرسول صلى الله عليه وسلم على دعوته أجرا، وإنما طلب كف الأذى، وصلته بصلة القرابة.
وإذا كان صلى الله عليه وسلم في الوسط والذروة من حيث نسبه، فليس من قبيل المصادفات، أن يكون الزمن الذي بعث فيه خير الأزمنة، وأن يكون ذلك الجيل خير الأجيال، وأن يكونا الزمن والجيل، ذروة الخط البياني في تاريخ الدنيا، سواء أكان ذلك بالنسبة للماضي الذي سبقه، أم بالنسبة للمستقبل الذي جاء بعده.