
في زمن القواعد الأجنبية .. مصر تفرض معادلتها السيادية في الإقليم
بقلم د . هاني المصري
————————–
في زمن تتكالب فيه القوى الدولية على رسم خرائط النفوذ والتحالفات، وتتنافس فيه الدول الكبرى على بسط الهيمنة عبر القواعد العسكرية والمعاهدات الأمنية، اختارت مصر طريقًا مغايرًا، تجسّد في استراتيجية استقلال القرار، وبناء قوة إقليمية ذاتية لا تعتمد على حماية خارجية، ولا تسمح بأن تُوظَّف كورقة في يد أحد.
مصر الجديدة: لا قواعد أجنبية… لا وصاية
منذ أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، بدأت القاهرة في إعادة صياغة دورها الإقليمي من جديد. كانت الرسالة واضحة: لا قواعد أجنبية على الأراضي المصرية، ولا تحالفات تقيد إرادتها الوطنية أو تُرهن قراراتها بمصالح أطراف أخرى.
في الوقت الذي فتحت فيه بعض الدول الخليجية أراضيها للقواعد الأجنبية، مبررة ذلك بالحاجة إلى الحماية والتوازن، كانت مصر تبني جيشها الوطني، وتعزّز قدراتها الدفاعية، لتكون الحامي الأول والأخير لأمنها القومي.
القوة الذاتية: الجيش والاقتصاد والسياسة
لا يمكن فهم المشروع المصري للنهضة السيادية من دون النظر إلى محاور قوته الثلاثة:
الجيش المصري: الأكبر في إفريقيا وأحد أقوى الجيوش في العالم العربي، وهو ليس جيشًا وظيفيًا تابعًا لأي منظومة خارجية، بل مؤسسة وطنية ذات عقيدة مستقلة.
الاقتصاد الإنتاجي: بدلاً من الاعتماد على المساعدات، شرعت مصر في تنفيذ مشاريع قومية ضخمة مثل قناة السويس الجديدة، والعاصمة الإدارية، وتوطين الصناعة والزراعة الذكية، لتحقيق اكتفاء داخلي يقلل من الارتهان الخارجي.
السياسة الخارجية المتوازنة: مصر اليوم شريك إقليمي فاعل، ينسج علاقات مع الجميع، من دون الانحياز الكامل لأحد. فهي تتعاون مع روسيا، وتحاور الولايات المتحدة، وتبني جسورًا مع الصين وإفريقيا وأوروبا، لكنها لا تتلقى أوامر من أحد.
دروس من التاريخ… وحدود التحالف
التجربة علمت مصر أن الحماية المستوردة ثمنها السيادة. فعندما تكون “الحليف الصغير”، فأنت مجرد أداة، لا شريك. مصر، التي خاضت حروبها الكبرى وحدها، والتي عرفت طعم الانتصار والانكسار، تدرك أن أمنها لا يُستأجر، وأن قوتها لا تُستعير.
في زمن القواعد الأجنبية .. مصر تفرض معادلتها السيادية في الإقليم
وختاماً
مصر اليوم ليست دولة تنتظر من يحميها، بل دولة تحمي غيرها.
اختارت أن تكون مركزًا للحلول لا ساحةً للصراع، أن تكون صانعًا للأحداث لا مجرد متلقٍّ لها. في عالم تتغير فيه موازين القوى بسرعة، تظل مصر نموذجًا للدولة التي راهنت على نفسها… وربحت الرهان.