
في يوم عرفة.. نداء الروح وسكينة القلوب ورسالة خالدة إلى الأمة الإسلامية
بقلم أشرف ماهر ضلع
في التاسع من ذي الحجة، تهفو القلوب، وتخشع الأرواح، وتتجه أنظار المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها نحو جبل عرفات، حيث يتجلّى الركن الأعظم من أركان الحج، يومٌ تجتمع فيه الإنسانية على صعيد واحد، متجردة من كل ألوان التمييز والاختلاف، متشبثة بثوب الرحمة، ومستظلة بفيض المغفرة.
يوم عرفة.. يوم العتق والغفران
يوم عرفة ليس يومًا عاديًا في ذاكرة الأمة الإسلامية، بل هو محطة روحية عظيمة، يفيض فيها الله عز وجل على عباده برحماته، ويباهي بهم ملائكته، كما جاء في الحديث الشريف:
«ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة».
يصوم المسلمون في بقاع الأرض هذا اليوم، طمعًا في ثواب الله، حيث يكفّر صيامه ذنوب سنة مضت وسنة مقبلة، بينما يقف حجاج بيت الله الحرام على صعيد عرفات، في مشهد مهيب يُجسّد وحدة المسلمين وتساويهم أمام خالقهم، بقلوب خاشعة ودعوات صادقة.
رسالة الأمة في يوم النور والتجلي
في يوم عرفة، تتجدد رسالة الإسلام للعالم؛ رسالة سلام وتسامح، رسالة عدل وكرامة، رسالة إصلاح وبناء. ومن على جبل عرفات، يُذكر المسلمون بأنهم أمة وسطا، كُلّفت بحمل مشعل الهداية، والتبشير بالقيم السامية التي جاء بها خاتم الأنبياء محمد ﷺ.
وفي ظل ما تمر به الأمة الإسلامية من تحديات سياسية واقتصادية وفكرية، يأتي يوم عرفة ليذكرنا بوحدتنا الكبرى، وبالغاية التي تجمعنا، وبأهمية تجاوز الخلافات والنزاعات من أجل تحقيق مصلحة الشعوب الإسلامية، ورفع الظلم، وبناء مستقبل مشرق تسوده الكرامة والعدل والعلم.
دعوة للعودة إلى الجذور
إن الأمة الإسلامية اليوم مدعوة في يوم عرفة إلى وقفة مع الذات، وإعادة قراءة رسالتها الأخلاقية والروحية، والعمل على غرس قيم الرحمة والعدل والتعايش في مجتمعاتها، مستلهمة من هذا اليوم معاني التوبة، والانطلاقة الصادقة نحو الإصلاح.
فما أجمل أن يكون يوم عرفة بداية جديدة؛ نغسل فيه قلوبنا من أدران الدنيا، ونفتح فيه صفحات بيضاء نكتب فيها تاريخًا يليق بأمة ختم الله بها الرسالات، وحمّلها أمانة الكلمة والرحمة والهداية.
في يوم عرفة.. نداء الروح وسكينة القلوب ورسالة خالدة إلى الأمة الإسلامية
في الختام..
يبقى يوم عرفة دعوة متجددة للمراجعة والتجديد، وأملًا يسطع في سماء الأمة، بأن النهوض يبدأ من توحيد الصف، ومن الالتفات إلى جوهر الدين لا إلى مظاهره. فلنصعد جميعًا بجوارحنا وأرواحنا إلى عرفات القلوب، ولتكن دعواتنا للأمة الإسلامية جمعاء بالهداية، والتوفيق، والسلام.