قدوة حسنة..
قدوة حسنة..
فاطمه عبد العزيز
يجتهد معظم الآباء لأقصى درجة لتعليم الابناء كل أنواع الفضائل والأخلاقيات العظيمة، فتربية أبناء مثاليين لا يخطئون هي غاية كل أب وأم، وهدفهم الذي يسعون إليه دومًا.
وعلى الوالد، منذ اللحظة التي يولد فيها طفله أن يقوم بالتغير التام، والكف عن فعل أي شيء قبيح قد يجذب أعين الصغار، فتراهم يقلدون أفعالك كما هي، فأنت مرآة أبنائك، فلا يجوز أن تطلب منهم الالتزام بالفضائل والعبادات وأنت تارك لها، ولا يعقل أن تنهرهم بشدة عند كل فعل وأنت الذي تفعله أمامهم، هذا أب لا يصلي ولا يذهب إلى المسجد، متغافل عن نظرات أبنائه له عند سماع الآذان لكل صلاة، فيشب الأبناء على ترك الصلاة، وعند انتباه الأب لهم عند تركهم الصلاة فترات طويلة، تراه يصرخ بشدة ويتوعَّدهم.
وهذا أب يمنع أبناءه من الجلوس أمام شاشة التلفاز، ويغلقها أمامهم بسبب ما يعرض اليوم من كثرة العري وتعليم الاختلاط، والسعي لتدمير عقول الصغار، ثم يدخل الأب غرفته، ليشاهد ما منع منه أطفاله، وهذا أب آخر أخذ يعطي دروسًا لأبنائه في الأخلاقيات والقيم، فأخذ يحثهم على صلة الرحم والصفح والعفو، والعطف عن الآخرين، وهو فاقد لكل هذا وأكثر، هنا سيفقد الآباء ثقة أبنائهم، فإذا أردت أن تُحببهم في أي شيء، عليك أن تكون قدوتهم أولًا، وستلاحظ أنهم يفعلون كل ما تريد بدون أن تأمرهم به.
ويقول النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ” متفق عليه.
إنَّ هذا الحديث الشريف يدل على أن الأب هو القدوة الأول والموجه الأول لأبنائه، فكل مولود يولد على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ولكن الأب يكون له الدور الأكبر والرئيسي في تغيير هذه الفطرة وانحرافها عن أصلها.
فدور الأب إذن ليس بالأمر الهين، فهو القدوة المباشرة بالنسبة للولد، فالولد لا يقلد أحداً مثل ما يقلد والده، بل إنه في البداية لا يختلط بأحد أكثر مما يختلط بوالديه، فهما أساس قدوته، وخير مثال للتقليد عنده.
فلهذا يجب على الأب أن يدرك هذا الأمر، وأن يستشعر هذا الجانب، وأن يعلم علم اليقين أن ابنه سيكون في النهاية نسخة طبق الأصل منه، فعليه أن يحاسب نفسه، ويدرك أن مثله ومثل ابنه كمثل جهاز التحكم الذي يكون بيد الإنسان يتحكم به في الجهاز كيف شاء، وهكذا الأب، فإنه جهاز التحكم للابن يقلبه كيف يشاء، فليختر التربية التي يريدها لولده، والواقع الذي يريد أن يكون عليه عندما يكبر.
وليستشعر قبل هذا كله قول الله -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].
فالأب هو أول من يغرس السلوكيات والأخلاقيات والاتجاهات في نفس ولده، وهو أرض خصبة للاستنبات هو أول زارع فيها، وأول من يضع البذر فيها، فليختر الزرع الذي يحب أن يكون عليه ابنه عندما يصبح إنساناً ناضجاً، فإنه إما أن يغرس فيه محاسن الصفات ومكارم الأخلاق فينبته نباتاً حسناً، وإما..
اذا يجب على الآباء أن يتقوا الله في أبنائهم، ويكونوا قدوة صالحة لهم، فإن الطفل لا ينظر إلى أحد مثلما ينظر إلى أبيه، ويظن أنه ليس في الدنيا مثل أبيه، ولا أحسن من أبيه، ولا أعدل منه، ولا أصدق منه، فهو يقلد حاله وحركاته وسكناته، وأقواله وأفعاله، فليكونوا على مستوى المسؤولية.
ولاشك أن هذه المشكلات التي نراها في أسواقنا، أو نراها في شبابنا وفتياتنا، إنما هي غرس أولئك الآباء والأمهات، بسبب إضاعتهم لهم، فلا هم تحملوا المسؤولية، ولا أدوا الأمانة تجاه أبنائهم.