ادب وثقافة

قراءة في رواية ثقب فومو

جريدة موطنى

قراءة في رواية ثقب فومو

للأديبة /رانيا البدري 

بقلم: يحي سلامة

توقفت أولا أمام عنوان الرواية (ثقب فومو)

وكلمة فومو FoMo بالانجليزية إختصار لعبارة(fear of missing out)وترجمتها الخوف من أن يفوتك شيئا علي وسائل التواصل الإجتماعي وقد اعتمد معجم أكسفورد هذا المصطلح عام 2006 .

وقد حالف الكاتبة التوفيق في إختيار عنوان (الرواية) فثقب السوشيال ميديا يعادل ثقب الأوزون فكلاهما خطر ويسربان كل ماهو مضر وغير صحي سواء تلك المضرة بالعلاقات الإنسانية علي السوشيال ميديا أو الأشعات المضرة بالصحة المتسربة من ثقب الأوزون.

وقد اتكأت الكاتبة علي تيمة الفومو في أحداث الرواية فتعرضت للبلوجر سها وزوجها تامر والتي انتهت رحلتهما مع السوشيال ميديا بالانفصال وخسارة سها لحضانة إبنتها وكذلك البلوجر داليا (الطالبة الجامعية) والتي أدي هوسها بالتريندات ونسب المشاهدة وجني الأرباح إلي أن تخسر حياتها وتموت مذبوحة أمام بوابات جامعتها التي تدرس بها. 

ولم تكن تيمة الفومو هي التيمة الوحيدة التي إعتمدت عليها الكاتبة في روايتها فالرواية والتي تنتمي إلي نوعية الروايات الإجتماعية تعددت فيها التيمات والقضايا الإجتماعية فنجد تيمة حرمان البنات من الميراث في الريف (حالة صباح مع أخيها)

وتيمة الزواج غير المتكافئ (زواج الخادمة صباح باللواء محمد بك)

وتيمة المطلقة ونظرة المجتمع لها (حالة فاتن وأماني)

وتيمة عدم الرضا ورفض الواقع (حالة علي ابن الخادمة الصباح)

وتيمة الرومانسية وخفقان القلب للحب الصادق (حالة رشا وباسم) .

ومع تعدد التيمات وتباينها وكثرة أحداث الرواية إلا أن الكاتبة إستطاعت وبمقدرة أن تنجو بروايتها من فخ التشتت والملل وتفكك البناء الدرامي بل علي العكس تماما فقد جاء البناء الدرامي متماسكا وخدم تصاعد الأحداث في مسارها الطبيعي والمنطقي والأهم من ذلك كله جاءت العلاقات بين أشخاص الرواية علاقات منطقية وطبيعية ولم تكن علاقات عشوائية أو مصادفة أو زائدة (وللحقيقة العلاقة الزائدة في الرواية من وجهة نظري هي أن إياد طليق رشا كان متزوج من أميرة بنت اللواء محمد والذي تزوجته صباح الخادمة عند طليقته رشا ومفاجأة رؤيتها له وأري أن هذا الجزء زائد في الرواية ولم يسمن أو يغني من جوع في البناء الدرامي للرواية) وما عدا هذه العلاقة فالرواية محكمة البناء الدرامي كما ذكرت. 

أما عن رسم الشخصيات فقد أجادت الكاتبة في رسم كل شخصية من شخصيات الرواية ووضعها في مكانها المناسب سواء في الطبقة الإجتماعية التي تنتمي إليها الشخصية أو في تحديد إنفعالاتها وتوجهاتها

وحتي جمل الحوار جاءت مناسبة ومتسقة مع الشخصية ووضعها الإجتماعي وحالتها الإنفعالية.

وبقي ان اقول ان رغم تعدد التيمات داخل الرواية إلا أن القارئ بعد الفراغ من قراءتها يستطيع أن يقرر أن الكاتبة إعتمدت تيمة أساسية كانت هي التيمة الرئيس الحاكمة لكل التيمات التي تناولتها في الرواية وهذه التيمة كما يتضح من أحداث الرواية من بدايتها إلي نهايتها تيمة (رفض الواقع ومحاولة تغييره )وإن تباينت وتعددت الوسائل لتغيير هذا الواقع

فنري أن (سها وزوجها باسل) قد إتجها إلي بث الفيديوهات والتصوير علي السوشيال ميديا لتحقيق الثراء ولم يمانعا في استغلال ابنتهما الطفلة بيري في هذا الأمر وكانت النهاية بانفصالهما وذهاب بيري للعيش مع خالتها رشا.

وهو نفس الهوس الذي كان موجودا عند داليا الطالبة الجامعية التي سعت للطريق السهل وجني الأموال من جلسات التصوير وبثها علي وسائل السوشيال ميديا لينتهي الأمر بذبحها علي بوابة الجامعة التي تدرس بها.

وصباح التي اختارت الزواج من اللواء محمد بك (والذي انتهي بالطلاق) مقابل تسديد ديونها المتراكمة نتيجة تجهيز ابنتها أماني للزواج تلك الإبنة أيضا التي اندفعت وراء عاطفتها للزواج من سعد والتي لم تحسب حسابها للإقامة في بيت أهله وضعف شخصيته أمامهم لينتهي الأمر بطلاقها والعمل في صيدلية للإنفاق علي إبنتها الرضيعة.

وتأتي شخصية (علي) ذلك الشاب الناقم علي وضعه الإجتماعي والذي تحول حقده علي خاله الذي حرم أمه صباح من الميراث إلي حقد ضد كل غني وكل ميسور الحال ليترجم هذا الحقد إلي جرائم قتل فقتل خاله وقتل صديقه إبراهيم زميله في الجامعة وذبح داليا الفتاة التي رفضت حبه وعايرته بفقره ووضعه الإجتماعي لينتهي به الأمر إلي المحاكمة ليلقي مصيره المحتوم.

وكانت وحدها (رشا)هي التي غيرت واقعها نحو الأفضل بطريقة مشروعة فبعد أن دق قلبها بالحب تجاه باسم زميلها في العمل دخلت في صراع بين العقل والقلب وبين الحب والواجب فرغم أن استمرار زواجها من إياد كان للحفاظ علي الشكل الإجتماعي بعد زواجه بأخري بدافع الإنجاب (حيث حرم الله رشا من نعمة الإنجاب) إلا أنها وفي الوقت المناسب طلبت منه الطلاق حتي لا تكون زوجة خائنة أمام نفسها قبل أن تكون كذلك أمام المجتمع

ويحسب للكاتبة انها أعطت رسالة غير مباشرة وخالية من جمل الوعظ وإدعاء الملائكية وهي أننا يجب أن نصدق مع أنفسنا لكي يصدقنا الأخرين ويجب إرضاء ضمائرنا قبل أن نطلب رضا المجتمع عن تصرفاتنا وهي الرسالة التي أري أن الكاتبة هدفت إليها من خلال هذه الرواية

كانت هذه قراءتي المتواضعة

مع أطيب التمنيات للكاتبة المبدعة بدوام التوفيق والألق

قراءة في رواية ثقب فومو

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار