اخبار

قراءة نقدية لقصة لقاء مع بورخيس للقاص والروائي سعيد رضواني

قراءة نقدية لقصة لقاء مع بورخيس للقاص والروائي سعيد رضواني

بقلم الناقد عبد الرحيم التدلاوي

 

مرة أخرى يُفاجئنا “سعيد” – صاحب القصة – بحكايةٍ تستدعي عوالم “بورخيس” بكل أبعاده الثقافية، لِيُقيم معه حوارًا أدبيًا خفيًّا عبر الزمن. فـسعيد هنا لا يقلد الأستاذ الأرجنتيني، بل ينسج غزله السردي مستحضرًا الينابيع البورخيسية: المرايا التي تشظي الهُوية، والمتاهات التي تُحوِّل السرد إلى بحثٍ وجودي، والتناظر الذي يربط المفارقات بروابطَ فلسفية. لكنه يفعل ذلك بلغةٍ جديدة، وكأنما يدعو بورخيس إلى طقسٍ أدبيٍّ معاصر، تَتَقاطع فيه الأسئلة القديمة مع إجاباتٍ مُغايرة.

 

أما اللقاء بين الشيخ والمريد – الذي يتحول فيه المريد إلى شيخ – فهو ليس مجرد حكاية نقل المعرفة، بل استعارةٌ لعلاقة الأديب المعاصر بتراث السابقين. فـسعيد يلتقي بورخيس عند مفترق طرقٍ نصي، حيث يصبح الحوار بينهما جسرًا بين ثقافتين وزمنين، في إشارةٍ إلى أن الإبداع لا ينفصل عن حوار الأمواج بين الماضي والحاضر. وليس غريبًا أن تكون نقطة اللقاء عند مفترق طرق، فهي عتبة رمزية للانتقال، وفضاءٌ مفتوحٌ على الاحتمال والاختيار، وعلى اللقاء كما على الفراق.

 

وإذا كان البحر في القصة فضاءً يحتضن الشخصيات المستحضرة التي تتصارع أفكارها كأمواجٍ متلاطمة، فهو أيضًا رمزٌ لـ”المحيط البورخيسي” الذي لا ينضب، حيث تذوب الحدود بين الأدب والعلم، وبين الفلسفة والأسطورة. هنا تُطرح الأسئلة الكبرى: كيف تُغني الكثرةُ الواحدَ؟ وكيف يكون الاختلافُ أساسًا للوحدة؟ لتأتي الإجابة عبر المرآة الدموية التي ترفض النرجسيةَ الجامدة، وتعترف بالآخر كوجهٍ آخر للذات، وكضرورةٍ لاستمرار الحوار الإنساني.

 

ولا ينسى سعيد أن يزرع في نصه شذراتٍ تناصية مع أدب بورخيس، كإشاراتٍ خفيةٍ إلى مكتبة بابل، أو المتاهات اللامتناهية، لكنه يفعل ذلك بطريقةٍ تخلق منها عالمًا جديدًا. فالقصة ليست استنساخًا، بل محاولةٌ لإعادة إنتاج الأسئلة البورخيسية في وعيٍ عربيٍ معاصر، حيث يُصبح التناص حوارًا بين الضفتين: ضفة الكاتب وضفة القارئ، وضفة الموروث وضفة الحداثة، وضفة الأنا وضفة الآخر.

 

القصة ذهنية تعبر عن ثقافة سعيد الأدبية والعلمية، وتظهر براعته في كتابة هذا اللون الإبداعي الجميل. وهي قصة نخبوية تستهدف قارئًا نوعيًّا، يدرك خيوط اللعبة السردية، ويتلذذ بالتناصات، ويقرأ أكثر مما يُقال. ومن هنا يمكن طرح سؤال دقيق: هل سعى سعيد إلى “قتل الأب الرمزي”؟ هل أراد القول: لقد هضمتُ بورخيس، وآن لي أن أكون بورخيسَ نفسي؟ شيخًا له مريدون؟ فثمة إيحاء قوي بأن سطوة بورخيس على مخيال القصة العربية – منذ أن ترجمه الخطيب – قد شارفت على نهايتها. وأن سعيد، كما حسن البقالي، يجترحان صوتًا خاصًا، مخلصين لبورخيس، ولكن لا تابعين له.

 

إن اللقاء مع بورخيس في هذه القصة ليس فقط استدعاءً لأيقونة أدبية، بل هو اختبار لقدرة الذات الكاتبة على التحرر من سلطتها، عبر محاورتها لا عبر نفيها. القصة إذًا ليست عن بورخيس، بل عن الكتابة في ظل بورخيس، وعن الخروج من عباءته بخلق عباءة أخرى، قد تكون امتدادًا، لكنها تختلف في اللون والملمس والغاية.

قراءة نقدية لقصة لقاء مع بورخيس للقاص والروائي سعيد رضواني

مرة أخرى، يفاجئنا سعيد بنصٍ ملتبسٍ في جماله، وجميلٍ في غموضه. نصٌ يتقن اللعب على تخوم الفلسفة والسرد، الذات والآخر، الشيخ والمريد، المتاهة والمرآة، فيكون بحق لقاءً مع بورخيس… ومع الذات في آن.

فما رأيكم في هذه الخلاصة؟

قراءة نقدية لقصة لقاء مع بورخيس للقاص والروائي سعيد رضواني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى