كريم خان وأنطونيو غوتيريش: الصمت المذل والتواطؤ القاتل
كتبه/ نبيل أبو الياسين
في مسرح الكارثة الإنسانية المتجددة بقطاع غزة، يبرز صمت المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية والأمين العام للأمم المتحدة كوصمة عار. كان من الواجب عليهما الخروج معاً، وبصوت واحد، لا لإدانة ما يجري فحسب، بل للتهديد بتقديم استقالات جماعية من جميع الهيئات التابعة للأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية. إن تخاذلهما هذا، وصمتهما أمام الجرائم الفظيعة التي تُرتكب، لا يختلف عن التواطؤ، ويُظهر فشلاً ذريعاً للمؤسسات الدولية في حماية الأبرياء.
خطة الاستيلاء العسكري: جريمة جديدة
يجب أن تتوقف فوراً خطة الحكومة الإسرائيلية للاستيلاء العسكري الكامل على قطاع غزة. هذه الخطة تتعارض بشكل صارخ مع قرار محكمة العدل الدولية الذي يدعو إسرائيل إلى إنهاء احتلالها لتحقيق حل الدولتين وحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. إن الأدلة الواضحة تشير إلى أن هذا التصعيد الجديد سيؤدي إلى المزيد من النزوح القسري، والمزيد من القتل، والمزيد من المعاناة الإنسانية التي لا تُطاق. يجب أن تنتهي الحرب الآن، ويجب أن يعيش الإسرائيليون والفلسطينيون جنبًا إلى جنب في سلام.
مطالب العالم وموقف القيادات
وسط حالة الغضب العالمية غير المسبوقة، تُصدر العديد من الدول إدانات واضحة. المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، تندد بقرار إسرائيل وتؤكد أن جرائمها المستمرة تتطلب مواقف دولية حاسمة ورادعة. رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، وصف خطة السيطرة على غزة بأنها “خطأ”، وحث الحكومة الإسرائيلية على التراجع عنها. بينما استدعت بلجيكا سفير إسرائيل لديها، رافضةً “استمرار الاستعمار” الذي يتعارض مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. هذه المواقف الرسمية تعكس الغضب الشعبي وتؤكد أن العالم لم يعد يطيق هذا الصمت.
المعايير المزدوجة والمواقف الفارغة
إن رد فعل الأمم المتحدة وبعض القادة الأوروبيين على قرار إسرائيل بمضاعفة الإبادة الجماعية هو أمر مثير للشفقة ومليء بالغموض، مما يجعله بلا معنى وفارغًا. هذه المواقف لا ترتقي إلى مستوى الجرائم المرتكبة، وتكشف عن معايير مزدوجة مثيرة للاشمئزاز في التعامل مع قيمة الحياة البشرية. وبينما يواصل المدنيون الأبرياء دفع الثمن الأكبر، يكتفي العالم بالإدانة اللفظية التي لا توقف آلة القتل أو تجلب العدالة لضحايا هذه المطهّرة.
التجويع سلاحٌ وحشي
تتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة مع استخدام التجويع كسلاح. المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، كشف أن ما يقرب من 12 ألف طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد، وهو أعلى رقم شهري مسجل. وتزداد الوفيات المرتبطة بالجوع، حيث توفي ما لا يقل عن 99 شخصًا حتى الآن. الأرقام الصادمة من اليونيسيف تشير إلى تضاعف حالات القبول بسبب سوء التغذية، مما يؤكد أن استهلاك الغذاء في القطاع قد وصل إلى أدنى مستوياته. هذا الوضع الكارثي يتطلب تدفقاً كاملاً وغير مقيد للمساعدات الإنسانية.
صمت وتخاذل
إلى متى سنظل نراقب؟ ومتى سيخرج العالم من صمته المميت الذي يرقى إلى التواطؤ؟ إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مستمر في جرائمه، قاتلاً الآلاف في أبشع إبادة جماعية في التاريخ على أرض الفلسطينيين. إن وجود حكومته في الأراضي المحتلة غير شرعي وفقاً لمحكمة العدل الدولية. لقد تحدثت الأرقام عن بشاعة ما يحدث، حيث ارتفع عدد الضحايا إلى أكثر من 61 ألف شهيد و152 ألف مصاب، معظمهم من الأطفال والنساء. هذا العجز الدولي عن وقف الجرائم هو وصمة عار على جبين الإنسانية.
وختامًا: إن هذا الصمت المتعمد من قمة الهرم الدولي ليس غياباً للصوت فحسب، بل هو “دمٌ يسيل في شرايين الجريمة المستمرة”. كل ساعة يصمت فيها خان وغوتيريش، تزداد أعداد الجوعى والقتلى والنازحين تحت سمع العالم وبصره. لقد تحولت مؤسسات الحماية الدولية إلى أدوات عاجزة، بل شريكة في الإفلات من العقاب. أمام هذه المهزلة الأخلاقية والقانونية، لم يعد خيار الشعوب والحكومات الراغبة في العدالة سوى التمرد على هذا النظام الفاشل: بمقاطعة داعمي الجريمة، والضغط لسحب الثقة من قيادات متواطئة، والسعي لآليات دولية بديلة تحترم الإنسان والقانون. التاريخ شاهد، ولن يغفر للذين وقفوا صامتين بينما كانت غزة تُباد.