
ما بين سقوط النخبة وصعود الفارغين ..مشروع غربي لتفكيك وعي العرب
بقلم: ظ . هاني المصري
———————————
في زمن اختلطت فيه القيم وتبدّلت المعايير، أصبح من اللازم أن نمعن النظر في الآليات التي يُعاد من خلالها تشكيل وعي المجتمعات، لا سيّما في العالم العربي، حيث تتداخل التأثيرات الثقافية الخارجية مع الأزمات الداخلية لتنتج واقعًا مريبًا يسوده تقديس الجهل وتهميش العقل وتفكيك القدوة.
تفكيك القدوة .. خطة ممنهجة أم صدفة حضارية ؟
لطالما كانت الأمة تُبنى على أكتاف قدواتها، من العلماء والمفكرين والقادة والرواد، ولكن ما نلاحظه اليوم هو عملية إسقاط متعمدة لرموز النهضة والفكر والاستقامة، إما من خلال تشويه صورتهم في الإعلام أو بتجاهلهم تمامًا لصالح رموز بلا مضمون. الغرب، عبر أدواته الإعلامية والثقافية، لا يكتفي بنقل النموذج الفارغ، بل يسعى لإحلاله مكان النماذج الأصيلة التي كوّنت وجدان الشعوب. فحين يُستبدل المعلم بالمؤثر، والمفكر بالمهرّج، والعالم بالفنان الهابط، ندرك أننا أمام مشروع إزاحة معرفية كاملة.
تعظيم التفاهة .. صناعة النجم من العدم
ظاهرة “النجم الفارغ” أصبحت قاعدة، حيث يُصنع المشاهير من لا شيء، ويُضخَّم دورهم إعلاميًا ليتحولوا إلى مرجع ثقافي وسلوكي لجيل كامل. يُحتفى بالتافه، لا لأنه يملك قيمة، بل لأنه خالٍ من أي قيمة تهدد النظام القائم على الاستهلاك والسطحية. الأغنية الهابطة، الفيديو القصير السخيف، فضائح السوشيال ميديا، كلها ليست عفوية بل أدوات لتكريس التفاهة كواقع اجتماعي.
الإعلام الجديد .. السلاح الأخطر
أدركت المؤسسات الغربية أن السيطرة على العقول لا تتم بالبندقية فقط، بل بالهاتف المحمول. وهكذا تحوّل الإعلام الجديد إلى أداة استلاب معرفي، حيث يُعاد تشكيل الذوق العام، وتُزرع قناعات زائفة حول النجاح والحرية والهوية. فحين يصبح مقياس النجاح هو عدد المتابعين لا عمق الأفكار، تنهار منظومة القيم بالكامل.
التعليم والتهميش المعرفي
من يتابع سياسات التمويل والبرامج الدولية في التعليم العربي، يلحظ بوضوح الدفع نحو تعليم بلا جذور، بلا نقد، وبلا تحليل. تعليم يعيد إنتاج الجهل في قوالب حديثة. المناهج تُفرّغ من محتواها، ويُمنع طرح الأسئلة الكبرى، في مقابل تعليم تقني سطحي لا يكوّن الإنسان بل يهيئه ليكون أداة في سوق لا يملكه.
ما العمل؟
مواجهة هذا الواقع تبدأ بإعادة الاعتبار للعقل. علينا أن نحيي خطاب النهضة من جديد، نستعيد قدواتنا لا بوصفهم رموزًا ماضوية بل كمنارات مستقبلية. الإعلام البديل، التعليم النقدي، دعم الفكر الجاد، كلها أدوات يجب أن تُفعل في مواجهة سيل التفاهة.
إن معركة الجهل ليست قدرًا، بل خيارًا مفروضًا، والمطلوب أن نرفض هذا الخيار، ونستعيد حقنا في التفكير، في الفهم، وفي صناعة المعنى.
ما بين سقوط النخبة وصعود الفارغين ..مشروع غربي لتفكيك وعي العرب