الدكروري يكتب عن الطف المخلوقات
الدكروري يكتب عن ألطف المخلوقات
بقلم / محمــــد الدكــــروري
إن النحل من ألطف المخلوقات وأنقاه وأنظفه، ولذلك لا تلقي مخلفاتها في خليتها، بل تطير ثم تلقيها بعيدا عنها، وتأبى النتن والروائح الكريهة، تأبى القذارة، ولذلك إذا رجعت إلى الخلية بالعشية، وقف على باب الخلية بواب منها، ومعه أعوان كثر، وكل نحلة تريد الدخول يشمها البواب ويتفقدها، فإن وجد فيها رائحة منكرة، أو رأى بها قذرا منعها من الدخول، وفي عالم النحل ملكة وعاملات، وفيه نظام وانضباط، وفيه تناغم واتساق، وكلها مظاهر من عظمة الخالق المبدع الذي جعل من أمة النحل مثالا يحتذى به في التعاون والنظام، الكل يعمل حسب سنه ودوره، المهندسات والبناءات يشيدن قرص النحل، والعاملات يقمن برحلات للكشف عن أماكن الرحيق، والكيميائيات يتأكدن من نضوج العسل وحفظه.
والخادمات يحافظن على نظافة الشوارع والأماكن العامة في الخلية، والحارسات على باب الخلية يراقبن من دخل إليها ومن خرج، يطردن الدخلاء، أو من أراد العبث بأمن الخلية، فمن علم هؤلاء كل هذا؟ ومن أوحى لهنّ هذه الأدوار؟ والنحلة لا تأكل بمرادها وبشهوة منها، بمقدار ما تأكل بأمر ربها لها كما قال تعالى “ثم كلي من كل الثمرات” فتأكل من الحلو والمر لا تتعداه إلى غيره من غير تخليط، ولذلك طاب عسلها لذة وحلاوة وشفاء، وكذلك المؤمن لا يأكل إلا طيبا ولو صبر على مر العيش، فإن أكله حلال، فيكون بعيد الوقوع في الحرام والشبهات لا تهوى نفسه هذا الحرام، ولو كان له جمال في الظاهر، فإنه في الباطن مر كالعلقم، فإن الحرام أمرّ من العلقم، وكذلك المؤمن صلح باطنه وظاهره، أفعاله طيبة.
وأخلاقه طيبة، وأعماله صالحة، ولا يمكن أن تكون الأعمال الصالحة إلا بعد طيب الغذاء، وبقدر حلّ الغذاء تنمو أعماله وتزكو، كما أن النحلة يعذب عسلها، ويحلو فكذلك عمل المؤمن نابع من كسبه الحلال، والنحلة مطيعة لأميرها في كل شيء بنظام، ودقة عجيبة، ولذلك كان من نتاج هذه الطاعة، هذا الطعام الحلو اللذيذ النافع، والمؤمن في تعاونه مع المؤمنين وبانقياده بالمعروف، والطاعة لأميره، فإنه يثمر حسن النتاج، وهو يدافع عن عرين الإسلام ضد الأعداء كما تدافع النحلة عن عرينها وعن خليتها أشد المدافعة، وكذلك المؤمن يدافع عن عرين الدين، ويلسع كل من أراد أن يقدم على هدم الإسلام بشبهة، أو بقوة، فيدفعه المؤمن بقوة إيمانه، وقوة جسده، ويستعمل أنواع القوى في دفع الأذى عن الدين وأهله.
وإن النحلة، وهي تدافع عن خليتها تلسع من يحاول الاقتراب منه، وهي في لسعها تشعر بالألم، وقد تفقد حياتها في سبيل الحفاظ على عرينها والمؤمن في هذه الحياة، وهو يدافع عن دينه ضد خصوم الشريعة، وأعداء الملة، يشعر بالألم، وقد يفقد حياته في سبيل دينه، فقال تعالي ” لقد خلقنا الإنسان في كبد” والنحل هو الحشرة الوحيدة التي تستطيع تخزين رحيق الأزهار من أجل الغذاء، وهي فضلا عن بنائها لخلاياها، وتصنيعها للشمع والعسل، فهي تقوم بعمل جليل، وهو تلقيح الأزهار، ومن دون تدخل النحل، فإن عددا كبيرا من النباتات لا يثمر، وتزور النحلة ما يزيد عن ألف زهرة ، لكي تحصل على قطرة من الرحيق، تحتاج القطرة الواحدة من الرحيق إلى أن تحط النحلة على ألف زهرة أو أكثر.
ومن أجل أن تجمع النحلة مائة غرام من الرحيق، مائة غرام فقط، تحتاج إلى مليون زهرة، وإن ملكة النحل، تعرف أن في بطنها ذكرا، أو أنثى، أو ملكة، حينما تأتي لتضع البيض، تضعه في المكان المناسب, والعاملات منهن، ما يأتين بالطعام الخاص بالملكة، ويسمي علماء النحل هذه النحلات بالوصيفات وإذا ماتت الملكة تضطرب الخلية، ويلاحظ الإنسان هذا التبدل، وحُمة الملكة لا تلدغ الإنسان، بل تلدغ ملكة أخرى تنافسها على منصبها، لذلك الذكور مهمتها تلقيح الملكات، والإناث عاملات، والملكة مهمتها الولادة.