مسافة الأمان: ضرورة للحب والسلام الداخلي مدعومة من القرآن والسنة
محمود سعيدبرغش
في عالم العلاقات الإنسانية، حيث تتداخل مشاعر الحب والوفاء مع التحديات اليومية، يظل التوازن والاعتدال هما الطريق إلى علاقة صحية مستدامة. الإسلام، بوصفه دينًا شاملاً، يعزز هذا التوازن في كل جوانب الحياة، بما في ذلك العلاقات الاجتماعية. يحثنا على إظهار الحب والود، لكن في نفس الوقت، يعيننا على فهم أهمية الحفاظ على مسافة أمان تتيح لكل طرف أن يحترم نفسه ويحافظ على سلامته النفسية والعاطفية. يتجلى هذا المفهوم بشكل جلي في تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
1. توازن القرب والبعد في القرآن الكريم
يدعو القرآن الكريم إلى التوازن في التعامل مع الآخرين ويحفظ لنا حقنا في العيش بسلام داخلي. يقول الله تعالى:
“وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا” (البقرة: 83)
هذه الآية تأمرنا بأن نتعامل مع الآخرين بالكلمات الطيبة والأفعال الصادقة، ولكن دون أن نتجاوز الحدود التي قد تضرنا أو تضرهم. فالإفراط في القرب قد يؤدي إلى الأذى العاطفي، ولا بد من احترام المسافات التي تمنحنا راحة البال وتساعد في الحفاظ على مشاعرنا. من خلال هذه الآية، يُعلمنا الله كيفية التوازن بين الحب والمشاعر، حيث أن القرب الزائد قد يؤدي إلى إضعاف العلاقة بدل تقويتها.
2. احترام المسافات والحدود في السنة النبوية
النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان القدوة في الحفاظ على المسافات الصحية في العلاقات. فقد علمنا كيفية تحقيق التوازن بين القرب والاحترام:
“لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ” (رواه البخاري ومسلم)
هذه المقولة لا تعني أن الشخص يجب أن يفرط في قربه أو يتجاهل حقوقه، بل تعني أن الحب الصحيح هو الذي يحترم حدود الطرف الآخر. فمحبة الآخر تأتي من الحفاظ على المسافة التي تسمح للطرفين بالنمو الروحي والنفسي معًا، دون أن يستهلك أحدهما الآخر.
3. القرب المعتدل وحق النفس في القرآن والسنة
حماية النفس هي أحد المبادئ التي أكد عليها الإسلام بشكل دائم. في قوله تعالى:
“وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا” (النساء: 29)
هذه الآية تدعونا إلى الحفاظ على أنفسنا من الأذى الجسدي والنفسي. الابتعاد عن العلاقات أو المواقف التي تضر بنا ليس هروبًا من الواقع، بل هو وسيلة لحماية الذات من التأثيرات السلبية التي قد تؤدي إلى التدمير الداخلي. فالبعد في هذه الحالة هو حماية للنفس من الاستنزاف العاطفي الذي قد يسبب فقدان الاستقرار النفسي.
4. التوازن بين العلاقات الاجتماعية في الإسلام
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“إِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا” (رواه البخاري)
يُظهر هذا الحديث أهمية الوفاء بحقوقنا في مختلف جوانب حياتنا، بما في ذلك الراحة النفسية والروحية. المسلم مطالب بالحفاظ على صحته النفسية والعاطفية، وهو ما يتحقق عبر الحفاظ على المسافة التي تسمح له بالاستمتاع بعلاقاته دون أن تؤثر سلبًا على استقراره الداخلي. المسافة بين الأشخاص تضمن الاحترام المتبادل وتعزز النضج العاطفي،
مسافة الأمان: ضرورة للحب والسلام الداخلي مدعومة من القرآن والسنة