رغم ما واجهته مصر خلال العقد الأخير من تحديات اقتصادية غير مسبوقة، تمثلت في ارتفاعات قياسية لمعدلات التضخم وصلت إلى ذروتها عند 38% في سبتمبر 2023، إلا أن المسار بدأ في التحوّل بشكل واضح نحو الاستقرار. فمع بداية عام 2025، تراجعت معدلات التضخم السنوي إلى 24% في يناير، ثم إلى 12.8% فقط في فبراير، بينما هبط التضخم الأساسي إلى 10%، وهو أدنى مستوى له منذ أكثر من ثلاث سنوات، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.
هذا التراجع اللافت لم يكن صدفة، بل جاء نتيجة حزمة إصلاحات مالية ونقدية عميقة، على رأسها تحرير سعر الصرف في مارس 2024، ورفع أسعار الفائدة بأكثر من 600 نقطة أساس، إلى جانب اتفاقيات تمويل ناجحة مع صندوق النقد الدولي، وضبط منظومة الدعم والتوريد.
وفي ضوء ذلك، تشير توقعات صندوق النقد والبنك الدولي إلى أن معدل التضخم في مصر سيستقر عند 21.2% في المتوسط لعام 2025، على أن يواصل الانخفاض تدريجيًا ليقترب من 7% بحلول عام 2027، مما يمهد لمرحلة استقرار سعري تُعيد الثقة للأسواق وتُنعش القدرة الشرائية للمواطنين.
أما على صعيد الجنيه المصري، فقد بدأت مؤشرات التعافي تظهر تدريجيًا بعد وصول سعر الصرف إلى مستويات تاريخية، بينما تسعى الحكومة لجذب تدفقات نقدية أجنبية جديدة من خلال مشروعات الشراكة والاستثمار، خاصة في قطاعات الطاقة، والسياحة، والتكنولوجيا، وهو ما يؤكد أن الاقتصاد يسير في الاتجاه الصحيح.
ومع توافر بيئة تشريعية أكثر مرونة، وتوسّع الدولة في البنية التحتية، والموانئ، والمناطق الاقتصادية، فإن موقع مصر الجغرافي كهمزة وصل بين ثلاث قارات، إلى جانب قناة السويس التي تمثل أكثر من 12% من التجارة العالمية، يضعها في مكانة استراتيجية فريدة لتعظيم عوائد التنمية، وتحقيق نمو مستدام يخدم المواطن والمستثمر معًا.
إن ما تمر به مصر اليوم ليس مجرد أزمة، بل مرحلة انتقالية تتطلب الصبر والثقة. والمؤشرات تقول بوضوح إن البلاد بدأت بالفعل الخروج من النفق، وأن الإرادة السياسية، والمؤسسية، والشعبية، مجتمعة، قادرة على استعادة العافية الاقتصادية وتحقيق الانطلاقة الكبرى.
نعم، المستقبل يحمل الأمل… ومصر التي تجاوزت الحروب والانكسارات ستتجاوز أيضًا التحديات الاقتصادية، لتنهض من جديد أكثر استقرارًا وعدالة وازدهارًا.