مقالات

مع بدايات الشعر الحر

جريدة موطني

مع بدايات الشعر الحر

مع بدايات الشعر الحر
بقلم : السعيد عبد العاطي مبارك الفايد – مصر ٠
نعم في البداية لقد مرَّ الشعر العربي بعدة تحولات و تغيرات في الشكل و المضمون ، فكانت ثمة تطورات قديما و حديثة أثرت في القصيدة العربية بخصائصها الفنية المتوارثة في ديوان العرب الخالد ٠
و ذلك منذ النشأة الغنائية الأولية للشعر العربي ٠
و نطالع عمود الشعر بين الالتزام الخليلي العروضي التقليدي عبر العصور ثم كان التقسيم الكلاسيكي القديم و الشعر الملحمي و المسرحي و غيره ٠
ثم الرومانسية التي ركزت على الذات و التعلق بالطبيعة و الخيال و الشكوى و التمرد و النظرة الجمالية ٠٠
و لكل من الكلاسكية التقليدية و الرومانسية من عناصر و خصائص فنية تميزها في شكل و جوهر القصيدة كوحدة عضوية فنية لفكرة القصيدة ٠

و مع الارهاصات الأولى لبدايات ميلاد الشعر الحر و أثر تداعياته يتصدر في الطليعة محاولات رجز ( الشاعر رؤبة بن العجاج ) بمثابة إرهاص” للشعر الحر ” حيث يظهر فيه بعض التحرر من قيود الوزن والقافية التقليدية، وإن كان لا يصل إلى حد التحرر الكامل الذي يميز الشعر الحر.
فقد طرأت على الساحة العربيّة بفعل الحرب العالمية الأولى، وامتداد هذه الأحداث حتى بعد الحرب العالمية الثانية، وما رافق ذلك من تطورات سياسية واجتماعية واقتصاديّة، إضافة إلى نشوء طبقة وسطى مثقفة أخذت على عاتقها نشر مختلف الأفكار، وإيجاد أدب يعبِّر عن البيئة بصدق وإحساس.
و تجلى شعر المقاومة بعد نكبة فلسطين ١٩٤٨ مع الاحتلال الصهيوني فوجد الشاعر الفرصة في التمرد و الثورة و التعبير بعيدا عن الشعر التقليدي ٠

و ظهر شعر المهجر ، و من ثم يؤكد الفكرة هنا قول الشاعر المهجري ميخائيل نعيمة:
“إنَّ القافية العربيَّة السائدة إلى اليوم ليستْ سوى قيدٍ من حديد نربط به قرائح شعرائنا، وقد حانَ تحطيمه من زمان” ٠
و يدعم الرأي قول الزهاوي:
“ولا أرى للشعر قواعد، بل هو فوق القواعد، حرٌّ لا يتقيَّد بالسلاسل والأغلال، وهو أشبَهُ بالأحياء في اتِّباعه سنة النُّشوء والارتِقاء” ٠
و كل هذا يؤيد التحرر من القافية الموحدة و تبقى الفكرة و العاطفة و الموسيقى الداخلية للمفردات ٠

و حدثت هذه عنيفة للقصيدة العربية الحديثة بعد حركة بوادر من قبل و محاولات من شعراء كبار حاولوا ان يخرجوا عن عمود الشعر و قالب الالتزام و كتبوا ألوان من التجديد في مقاطع و أرجوزة أيضا ٠

و بذل أحمد باكثير جهدا كبيرا إلى أنَّ البحور الموحَّدة التفعيلة أو القافية، هي الأنسب للشعر الحر؛ كالكامل، والرجز، والمتقارب، والمتدارك، والرمل ٠

و لذا كان البعد عن الشعر التقليدي و الرتابة و القافية الموحدة كما في استقرار القصيدة الحديثة التي سيطرت نوعا ما و تمخضت عنها فيما بعد ما يسمى بالشعر المنثور و لنا تحفظ حوله ٠

لكن الذي نخلص إليه بدايات الشعر الحر المرسل شعر ما يسمى بالتفعيلة أو المطلق ، و هذا كان تحت الأرض غير متداول حيث الشاعر كتبه في دفتره و احتفظ ببعضه تحفظا من الوقوع و الانزلاق للنقد من آراء النقاد و الاعتراض و الترحيب فيما بعد من بعض الأقلام تمشيا مع حركة و خريطة الشعر في ضوء واقعية الحياة ٠

و قرأت في كتاب د٠ داود سلوم الشعر العراقي الحديث :
كتب د٠ أحمد مطلوب نصاً من الشعر الحر عنوانه: (بعد موتي)، منشورًا في “جريدة العراق” عام 1921م ٠
فهذه محاولات قديمة مما لا شك فيه و لا جدال ٠
مثلت هذه البداية ثورة على الشعر التقليدي، حيث تحرر الشعراء من قيود الوزن والقافية، مع الحفاظ على الإيقاع الداخلي للقصيدة ٠
كما يسمح الشعر الحر باستخدام مختلف البحور الشعرية، ويمكن أن تتنوع التفعيلات في القصيدة الواحدة ٠
و من ثم في اعتقاد الشاعر أن يجد فرصة واسعة أمامه للتعبير عن مشاعره و أفكاره في مساحة كبيرة و سهلة تداول المعاني و معاناته ٠

فقد طالعت نصوص قبل نازك الملائكة و السياب عند كل من صالح الشرنوبي في قصيدته أطياف التي كتبها عام ١٩٤٥ م ٠
محاولات شعر حر تخلص من رتابة القافية ٠
و المازني و لويس عوض و الشاعر الناقد العراقي د٠ أحمد مطلوب و أحمد باكثير و صلاح عبد الصبور ، و أدونيس و فدوى طوقان و سلمى الجيوسي و أحمد عبد المعطي حجازي و الفيتوري و محمود درويش و أمل دنقل و خليل الحاوي و يوسف الخال و أبو سنة ، و غيرهم كثيرون ٠٠

و لكن ظهرت معالم القصيدة – الشعر الحر – في جرأة على ساحة الأدب المعاصر في النصف الثاني من القرن العشرين و كتب لها الذيوع و الشيوع و سعة الانتشار في ظل الإعلام المنطوق و المكتوب في المجلات و الصحف المتنوعة فتصدر ذلك ( نازك الملائكة و بدر شاكر السياب و البياتي ) وجهته في العالم العربي ٠
فقد كتبت نازك الملائكة قصيدتها ( الكوليرا ) ترصد المعاناة و المأساة التي نزلت بمصر ٠
كما كتب السياب ( أنشودة المطر )و عبد الوهاب البياتي قصيدته
ثم توالت هذه الظاهرة الجديدة مع تجارب أخرى ما يسمى شعر ما تحت الأرض لم يبصر النور حبيس أدراج الشاعر يتحين الظهور ٠٠

فالشعر الحر وإن جاء مجدداً، إلا أنه حافظ على التراث العربي ولم ينحرف عنه، فظلت اللغة العربيّة الفصحى هي الأساس وبقيت أوزان “الخليل” هي القاعدة التي ينطلق منها.
إلا أن هذه المحافظة لم تعصمه ومن معه عن التهجم العنيف والنقد اللاذع، حتى إن ( محمود عباس العقاد )اتهم هذه الحركة بالإسفاف والعبث والجهل، وقد أطلق على الشعر الجديد اسم “الشعر السايب”.
إلا أن الدكتور طه حسين وقف موقفاً محايداً حين قال: “فليتوكل شبابنا من الشعراء على الله، ولينشئوا لنا شعراً حراً أو مقيداً جديداً أو حديثاً، ولكن ليكن هذا الشعر شائقاً رائقاً ويومئذ لن يروا منا إلا تشجيعاً”.
و يقول الزهاوي:
“ولا أرى للشعر قواعد، بل هو فوق القواعد، حرٌّ لا يتقيَّد بالسلاسل والأغلال، وهو أشبَهُ بالأحياء في اتِّباعه سنة النُّشوء والارتِقاء” ٠

و الخلاصة مثلت هذه البداية ثورة على الشعر التقليدي من قِبل رواد الحداثة ، حيث تحرر الشعراء من قيود الوزن والقافية، مع الحفاظ على الإيقاع الداخلي للقصيدة ٠
كما يسمح الشعر الحر باستخدام مختلف البحور الشعرية، ويمكن أن تتنوع التفعيلات في القصيدة الواحدة ٠
و من ثم في اعتقاد الشاعر أن يجد فرصة واسعة أمامه للتعبير عن مشاعره و أفكاره في مساحة كبيرة و سهلة تداول المعاني و معاناته ٠
هذه كانت بعض ملاحظاتي حول قصيدة الشعر الحر و قد تناولتها في دراسات أدبية في كتابي سقوط مملكة الشعر في الضحي مدخل للأدب و مختارات لشعراء هذه المملكة الغاربة في شرخ الشباب و ذلك في الطبعة الثانية بالتفصيل ٠

مع بدايات الشعر الحر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى