الدكروري يكتب عن مفزع المؤمن وملجأه
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين حق قدره ومقداره العظيم أما بعد تأمل أيها المؤمن في هذا المقام، وهو مقام الابتلاء بالضراء أن مفزع المؤمن وملجأه في هذا المقام هو الله عز وجل وخير ما يقال في هذا المقام ” إنا لله وإنا إليه راجعون” فقد جعل الله تبارك وتعالى هذه الكلمة العظيمة سلوة للمبتلين ومرجعا للممتحنين، فهم يسلون بقراءتها ويزول قلقهم وألمهم عند تأملها وتدبرها وهذه الكلمة إذا تأملها العبد فهي تعني أمرين اثنين الأول منهما أن الكل عبد لله وأننا مماليك لله، والله جل وعلا يتصرف في ملكه كيف يشاء.
ويقضي فيه سبحانه وتعالى بما يريد، والأمر الثاني أن مرجع الجميع إلى الله، فإذا علمت من خلال هذه الكلمة أنك لله عبد وأنك إليه راجع فتذكر أنك موقوف بين يدي الله، وإذا استيقنت أنك موقوف بين يدي الله فاعلم أن الله عز وجل سائلك، عن ما قدمت في هذه الحياة وإذا علمت أنك مسئول فأعد للمسألة جوابا وأعد للجواب صوابا، والكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنىّ على الله الأماني، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال “كان تاجر يداين الناس، أي يبيع لهم مع تأخير الثمن إلى أجل، فإذا رأى معسرا، قال لفتيانه تجاوزوا عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه” رواه البخاري ومسلم، وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مَن أقال مسلما، أي بيعه، أقاله الله عثرته، أي غفر زلته وخطيئته” رواه أبي داود.
ومعنى الإقالة هى صورة إقالة البيع إذا اشترى أحد شيئا من رجل ثم ندم على اشترائه، إما لظهور الخسارة فيه، أو لزوال حاجته إليه، أو لانعدام الثمن، فرد المبيع على البائع، وقبل البائع رده، أزال الله مشقته وعثرته يوم القيامة لأنه إحسان منه على المشتري لأن البيع كان قد بُتّ، فلا يستطيع المشتري فسخه، فيا أيها المُبتلى، أهمس في أذنيك بحب واصبر، واسأل الله من فضله، وارضى بقضائه وقدره، واعلم أنه لن يصيبك إلا ما كتبه الله عليك فقال تعالى فى سورة التوبة ” قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون” واعلم أن قضاء الله كله لك خير، فالله أرحم بعباده من الأم بولدها، فعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال قَدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فإذا امرأة من السبى تحلب ثديها تسقي، إذ وجدت صبيا في السبى أخذته، فألصقته ببطنها وأرضعته.
فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم “أترون هذه طارحة ولدها في النار؟” قلنا لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال “لله أرحم بعباده من هذه بولدها” وعن ثعلبة البصري قال، قال لنا أنس بن مالك رضى الله عنه لأحدثنكم بحديث لا يحدثكم به أحد بعدي، كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوسا فضحك، وقال “أتدرون مما ضحكت؟” قالوا الله ورسوله أعلم، قال “عجبت للمؤمن إن الله تبارك وتعالى لا يقضي له قضاء إلا كان خيرا له” ومن أقوال الحكماء عن المواساة، أنه قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله، المواساة من أخلاق المؤمنين، وقد قال سفيان الثوري رحمه الله المواساة طريق بدت بين العوسج وهى شجر ذات شوك، وقال الحسن البصري رحمه الله، لأن أقضي لأخ لي حاجة أحب إليّ من أن أعتكف شهرين، وقال محمد بن واسع رحمه الله.
ما رددت أحدا عن حاجة أقدر على قضائها، ولو كان فيها ذهاب مالي، وقال عبدالله بن عثمان رحمه الله، وهو شيخ البخاري ما سألني أحد حاجة إلا قمت له بنفسي، فإن تم وإلا قمت له بمالي، فإن تم وإلا استعنا له بالإخوان، فإن تم وإلا استعنت له بالسلطان وهو الحاكم، وقال ابن قتيبة رحمه الله لا حُصنت النعم بمثل المواساة، وقال أبو عبدالله الجهني رحمه الله، المواساة تجديد للمؤاخاة، وتعتبر رحلة الإسراء والمعراج مواساة من الله تعالى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم لما لقيه صلى الله عليه وسلم من إيذاء وتكذيب المشركين له، فقال الله تعالى فى سورة الإسراء “سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنرية من آياتنا إنه هو السميع البصير”
وإن نبينا صلى الله عليه وسلم هو القدوة في المواساة، قال الله تعالى في وصف مواساة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم للمؤمنين، فقال الله تعالى فى سورة التوبة ” لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم”