مقال: التشريع الإسلامي في القرآن والسنة وأثره في تنظيم حياة الناس
محمود سعيدبرغش
إن التشريع الإسلامي يعد من أبرز جوانب رسالة الإسلام، حيث يقدم منظومة قانونية وتنظيمية لكل جوانب الحياة. يشمل التشريع الإسلامي الأحكام التي تنظم علاقة الإنسان بربه، مع نفسه، ومع الآخرين، وهو يشمل العبادات والمعاملات وأحكام الأسرة والسياسة والاقتصاد. لقد كانت رسالة الإسلام رسالة شاملة تتناول شؤون الدنيا والآخرة، وهدفها في النهاية هو تحقيق صلاح الإنسان في جميع مجالات حياته.
التشريع في الإسلام: بين الوحي والاجتهاد
إن التشريع في الإسلام ليس من تأليف البشر، بل هو وحي من الله عز وجل. قال تعالى في القرآن الكريم:
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾ (النجم: 3-4).
وقد كانت مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبلغ ويبين، ولكنه لم يكن يصدر التشريعات في القضايا الاجتماعية والسياسية بنفسه إلا بما أمره الله به. ففي القضايا الدنيوية، مثل القضاء والسياسة والحروب، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشير الصحابة ويأخذ برأيهم في كثير من الأحيان. وقد ورد عن الصحابي الجليل سلمان الفارسي أنه كان له رأي في غزوة “أحد” فاستفاد منه النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ برأيه.
القرآن والسنة مصدران رئيسيان للتشريع
1. القرآن الكريم:
يعد القرآن المصدر الأول للتشريع في الإسلام، وهو الكتاب الذي أنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وقد تضمن القرآن كل ما يحتاجه المسلم من مبادئ وتشريعات تخص الحياة الدنيا والآخرة. قال تعالى:
﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ (النحل: 89).
وهذا يشير إلى أن القرآن يحتوي على تشريعات واضحة تتعلق بكل جوانب الحياة.
2. السنة النبوية:
السنة هي المصدر الثاني للتشريع، وهي كل ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير. قال تعالى:
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ (الحشر: 7).
وقد ورد في السنة النبوية العديد من التشريعات التي تتعلق بالتعامل مع الناس، وتوضيح كيفية تطبيق بعض آيات القرآن الكريم. مثلما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق” (رواه البخاري).
مبادئ التشريع الإسلامي
1. العدل والمساواة:
الإسلام حث على العدل بين الناس، والقرآن الكريم يحث على هذا المبدأ في قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا﴾ (المائدة: 8).
ويعد العدل أساسًا من أسس الشريعة الإسلامية التي تقر حقوق الإنسان وتحقق له السلام الداخلي والخارجي.
2. حفظ حقوق الإنسان:
الإسلام جاء لحفظ حقوق الإنسان في شتى جوانب حياته، سواء كانت هذه الحقوق دينية أو اجتماعية أو اقتصادية. فقد حفظ الدين، والعقل، والنفس، والمال، والعرض. قال تعالى:
﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ (الاسراء: 33)، وقال:
﴿وَأَمَرْنَاهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا الْخَيْرَ وَيُحْسِنُوا إِلَى النَّاسِ﴾ (النحل: 90).
3. تجنب الاختلاف والفرقة:
الإسلام أمر بالوحدة والاعتصام بحبل الله. قال تعالى:
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: 103).
ويجب على المسلمين أن يسعى كل واحد منهم إلى الفهم الصحيح للكتاب والسنة لتجنب الاختلافات المدمرة.
أثر التشريع الإسلامي في حياة الناس
إن التشريع الإسلامي لا ينحصر فقط في تنظيم الطقوس العبادية، بل هو شامل لجميع مناحي الحياة، سواء كانت في القضايا القضائية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية. وقد أمرنا الله تعالى في القرآن الكريم أن نكون دائمًا في خدمة الصالح العام. قال تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: 107).
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم عمل على تطبيق هذه التشريعات على أرض الواقع، وساهم في توجيه الأمة إلى العدل، والمساواة، والرحمة.
الختام
إن التشريع الإسلامي يعد معلمًا من معالم رسالة الإسلام التي تهدف إلى تحسين حياة الإنسان وتوجيهه إلى الطريق الصحيح. فقد كفل الله تعالى للإنسان في شريعته السعادة في الدنيا والآخرة، وجعل التشريع الإسلامي مرشدًا لكل مسلم في جميع جوانب الحياة. ومن خلال تمسك المسلمين بهذا التشريع، يمكنهم بناء مجتمع تسوده العدالة والمساواة، ويحفظ حقوق الفرد والجماعة.
إن هذه الشريعة التي أنزلها الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم هي التي تحقق للبشرية سعادتها ورفعتها، وهي التي تحفظ المجتمع من الفتن والاختلافات.
مقال: التشريع الإسلامي في القرآن والسنة وأثره في تنظيم حياة الناس