
من بلغهُ القرآن فهو لهُ نذير
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الولي المولى، رب الأرض والسماوات العلى، سبحانه يعلم السر وأخفى، وسامع النجوى وكاشف البلوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، أقام الكون على مقتضى علمه ودبره بإرادته وهو العالم بما تبطنه الضمائر وما تخفيه السرائر وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، خير العاملين بدين الله رب العالمين وسيد الغر المحجلين، فاللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ” من بلغه القرآن فهو له نذير” وروى ابن جرير الطبري قال ” من بلغه القرآن فقد أبلغه محمد صلى الله عليه وسلم” وقال الإمام الشافعي رحمه الله ” لو عُذر الجاهل لأجل جهله، كان العلم خيرا من الجهل” وقال الإمام القرافي رحمه الله “واعلم ان الجهل نوعان.
فالأول هو نوع تسامح صاحب الشرع عنه، فعفا عن مرتكبه وضابطه أن كل ما يتعذر الإحتراز عنه عادة فهو معفو عنه، والنوع الثاني وهو جهل لم يتسامح صاحب الشرع عنه فلم يعف عن مرتكبه، وهذا النوع يضطرد في أصول الدين وأصول الفقه وبعض أنواع الفروع” وليس كل شبهة ولا تأويل يعذر صاحبها، فمن تأول أن تعظيم الرب يقتضي عدم الدخول عليه إلا بالوسائط والشفعاء كحال الملوك فهو مشرك ولا يعذر بتأويله لأنه من قبيل مالم يسوّغه الشرع، وإن زعم أن قصده تعظيم الرب تعالى فهو في زعمه لم يقصد الاستهانة بجناب الربوبية ” أما عن عذر من إشتبهت عليه الأمور الدقيقة من الدين، فقد قال شيخ الإسلام في معرض كلامه عن الرازي والآمدي ” لكن لم يعرف هؤلاء حقيقة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وحصل إضطراب في المعقول به، فحصل نقص في معرفة السمع والعقل وإن كان هذا النقص هو منتهى قدرة صاحبه.
لا يقدر على إزالته، فالعجز يكون عذرا للإنسان في أن الله تعالي لا يعذبه إذا إجتهد الاجتهاد التام، وهذا على قول السلف والأئمة في أن من اتقى الله ما إستطاع إذا عجز عن معرفة بعض الحق لم يعذب به” وقال أيضا ” الوعيد المطلق في الوحي مشروط بتحقق الشروط وإنتفاء الموانع” فالعذر بالجهل عند شيخ الإسلام لمن كان في بلاد الإسلام إنما هو في المسائل الخفية كمسألة القول بخلق القرآن، وقد يجتمع في الشخص الواحد إيمان وكفر أصغر، وتوحيد وشرك أصغر وأعني مطلق الإيمان لا الأيمان المطلق لأنه لا يكمل مع وجود الكفر الأصغر، كذلك التوحيد مع الشرك الأصغر، وقال الإمام ابن القيم رحمه الله ” وهذا من أعظم أصول أهل السنة وخالفهم فيه غيرهم من أهل البدع، كالخوارج والمعتزلة والقدرية ومسألة خروج أهل الكبائر من النار وتخليدهم فيها مبنية على هذا الأصل” وقال ابن القيم أيضا رحمه الله.
“وأما أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام ولكنهم مخالفون في بعض الأصول كالرافضة والقدرية والجهمية وغلاة المرجئة ونحوهم فهؤلاء أقسام، أحدها هو الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له، فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا تُردّ شهادته إذا لم يكن قادرا على تعلم الهدى، والقسم الثاني وهو المتمكن من السؤال وطلب الهداية ومعرفة الحق ولكن يترك ذلك اشتغالا بدنياه ورئاسته وغير ذلك فهذا مفرّط مستحق للوعيد، وحكمه حكم أمثاله من تاركي الواجبات، والقسم الثالث وهو أن يسأل ويطلب ويبين له الهدى ويتركه تقليدا أو بغضا أو معاداة لأصحابه فهذا أقل درجاته أن يكون فاسقا وتكفيره محل اجتهاد وتفصيل” وفي مسألة العذر بالجهل لأمرين،
فالأمر الأول وهو بيان خطر الخروج من الملة وأنه قريب لمن لم يحفظه الله تعالي، وأما عن الأمر الثاني وهو إختلاف التعامل مع أمثال هؤلاء يختلف بتصور هذه المسألة لأنهم مترددون حسب القولين إلى كفرة فجرة مباحين أو مسلمين مصونين معصومين.
” من بلغهُ القرآن فهو لهُ نذير ”