
من طهران إلى القاهرة .. تل أبيب تحت النار … والقاهرة تتهيأ للحسم
بقلم : د . هاني المصري
——————————-
منذ عقود، بنى الكيان الصهيوني صورة ذهنية عالمية لقوته العسكرية، قائمة على ثلاثة أعمدة أساسية: سلاح الجو، ومنظومة الدفاع الجوي “القبة الحديدية”، والمنظومة المتوسطة “مقلاع داوود”. لكن المواجهة الإيرانية المباشرة الأخيرة – على ندرتها وجرأتها – زعزعت هذه الصورة، وفتحت أمام القاهرة نافذة استراتيجية ثمينة لتقييم واقعي لأداء العدو في سيناريو “المعركة الحقيقية”، لا مجرد العمليات الاعتيادية ضد فصائل محدودة الإمكانات.
سلاح الجو الإسرائيلي: بريق يتلاشى تحت الضغط
لطالما اعتبر سلاح الجو الإسرائيلي الذراع الطولى للردع، حيث نفّذ آلاف الغارات ضد أهداف في غزة وجنوب لبنان وسوريا، دون أن يواجه منظومات دفاع جوي حقيقية. لكن في الهجوم الإيراني الأخير، وجد نفسه لأول مرة في اختبار غير اعتيادي:
بيئة مشبعة بالتهديدات الجوية من صواريخ باليستية ومسيّرات متزامنة، ما حدّ من حرية الحركة والمناورة.
حالة من الإرباك والتأخر في الرد، ما كشف عن فجوة في التنسيق بين سلاح الجو وباقي وحدات الدفاع الجوي.
النتيجة: سلاح الجو الإسرائيلي الذي كان “يطير بلا مقاومة” في غزة، أصبح فجأة يواجه بيئة قتالية حقيقية تتطلب منه ما هو أكثر من مجرد التفوق التقني.
القبة الحديدية ومقلاع داوود: فعالية محدودة أمام الهجوم الكثيف
المفاجأة الأكبر جاءت من أداء منظومات الدفاع الجوي:
القبة الحديدية، المصممة لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى، أثبتت فاعلية جزئية فقط عندما تعرضت لإغراق ناري مكثف، ما يعني أنها قد تنهار في حالة اشتباك مع دولة ذات قدرات نارية حقيقية، كما هو الحال مع مصر.
أما منظومة “مقلاع داوود” المخصصة لاعتراض الصواريخ متوسطة المدى، فقد ظهرت وكأنها لا تزال “في المختبر” أكثر منها في الميدان. تأخر نشرها الفعلي في المعركة أظهر أن تل أبيب ما زالت تعاني من ثغرات تنسيقية وتشغيلية بين وحدات الدفاع المتعددة.
ماذا تعني هذه المعطيات للقاهرة؟
القيادة العسكرية المصرية، بخبرتها التاريخية وعقلها الاستراتيجي، تنظر لما حدث ليس فقط كتسجيل إخفاق إسرائيلي، بل كـ”اختبار ميداني مجاني” قدمته إيران دون أن تخوض مصر الحرب بنفسها. وهذه أبرز الدروس:
انهيار هيبة سلاح الجو الإسرائيلي في بيئة مهددة، مما يعزز من أهمية الدفاع الجوي المصري وتطوير منظومات الاعتراض المتعددة الطبقات.
قابلية إغراق منظومات الدفاع الإسرائيلية بالإشباع الناري، ما يشجع على تطوير تكتيكات هجومية مصرية تعتمد على التنسيق الزمني والتشتيت الكثيف.
رصد نقاط الضعف في الاستجابة السريعة الإسرائيلية، ما يعطي القوات المصرية فرصة لتخطيط “ضربات صاعقة” في الساعات الأولى لأي معركة قادمة.
التمييز بين الأداء الإسرائيلي أمام فصائل غير نظامية، وأدائه تحت مواجهة دولة منظمة تمتلك قدرة هجومية استراتيجية – وهي الحالة الأقرب لمصر.
وختاماً .. هل اقتربت ساعة الحقيقة؟
بينما تنشغل تل أبيب بمحاولة استعادة هيبتها، تعمل القاهرة بصمت على استخلاص دروس المعركة الإيرانية – درسًا تلو الآخر، منظومة بعد منظومة، خط دفاع بعد خط هجوم. فالتحليل الميداني الهادئ الذي تقوم به أجهزة الدولة المصرية قد يكون السلاح الأهم في مواجهة محتملة مع الكيان الصهيوني… مواجهة قد لا تكون بعيدة كما يتوهم البعض.
وفي لحظة الحسم، لن تواجه إسرائيل “حماسًا” أو “حزب الله”، بل دولة ذات جيش محترف، يعرف متى يضرب… وأين.
من طهران إلى القاهرة .. تل أبيب تحت النار … والقاهرة تتهيأ للحسم