مقالات

ميت الأحياء

جريدة موطني

ميت الأحياء
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ميت الأحياء

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا عزّ إلا في طاعته، ولا سعادة إلا في رضاه، ولا نعيم إلا في ذكره، الذي إذا أطيع شكر، وإذا عُصي تاب وغفر، والذي إذا دُعي أجاب، وإذا استُعيذ به أعاذ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد لقد كان السلف الصالح يرون من لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر في عداد أموات الأحياء، فقد سئل حذيفة رضي الله عنه عن ميت الأحياء قال ” من لا ينكر المنكر بيده ولا بلسانه ولا بقلبه ” وقيل لابن مسعود رضي الله عنه من ميت الأحياء ؟ فقال ” الذي لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا ” فإن إنكار المنكر ليس وقفا على أهل الصلاح فحسب بل يتعداهم إلى كل مسلم قادر على ذلك بيده ولسانه وبحسب المصلحة الشرعية وأما الإنكار بالقلب فلا يعذر أحد بتركه.

حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ” وقال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله ” فأما الإنكار بالقلب فيجب بكل حال، إذا لا ضرر في فعله ومن لم يفعله فليس بمؤمن كما قال النبي المصطفي صلى الله عله وسلم وذلك أضعف الإيمان، قال ” وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ” رواه مسلم، ودرجة الإنكار بالقلب تستلزم المفارقة بمعنى أن يفارق المنكر بقلبه ويفارق أهل المنكر ومنكرهم كما قال تعالى ” أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذن مثلهم ” وإن من أعظم الناس في حفظ المعروف وعدم إنكاره وجحوده هو رسول البشرية وهادي الإنسانية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك هو حفظه المعروف.

لأصحابه الكرام ومجازاتهم على ما بذلوه في نصرة الإسلام، والدفاع عن نبيه، فمن ذلك مجازاته لربيعة بن كعب، فعن ربيعة بن كعب رضي الله عنه قال كنت أخدم رسول صلى الله عليه وسلم وأقوم له في حوائجه نهاري أجمع، حتى يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، فأجلس ببابه إذا دخل بيته، أقول لعلها أن تحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة، فما أزال أسمعه يقول سبحان الله سبحان الله سبحان الله وبحمده حتى أمل، فأرجع أو تغلبني عيني فأرقد، قال، فقال لي يوما لما يرى من خفتي له وخدمتي إياه ” سلني يا ربيعة أعطك” قال فقلت أنظر في أمري يا رسول الله، ثم أعلمك ذلك؟ قال ففكرت في نفسي فعرفت أن الدنيا منقطعة زائلة، وأن لي فيها رزقا سيكفيني ويأتيني، قال فقلت اسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لآخرتي.

فإنه من الله عز وجل بالمنزل الذي هو به، قال فجئت فقال ” ما فعلت يا ربيعة؟” قال فقلت نعم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسألك أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار، قال فقال ” من أمرك بهذا يا ربيعة؟” قال فقلت لا والله الذي بعثك بالحق ما أمرني به أحد ولكنك لما قلت سلني أعطك وكنت من الله بالمنزل الذي أنت به نظرت في أمري وعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة، وأن لي فيها رزقا سيأتيني، فقلت أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لآخرتي، قال فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا، ثم قال لي ” إني فاعل فأعني على نفسك بكثرة السجود” فإياك إياك أيها المسلم من نكران الجميل، واشكر صنائع المعروف، وكن من الأوفياء، فإن الكريم يحفظ ود ساعة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

ميت الأحياء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى