مقالات

نافذة الياسمين

نافذة الياسمين
محمود سعيد برغش
الصفحة الأولى: اللقاء الأول

في القرية القديمة، حيث لا شيء يتغير، كانت ليلى تفتح نافذتها كل صباح كطقس مقدس. تقف بصمت، تتأمل ضوء الشمس وهو يتسلل بين أوراق الياسمين المتسلقة على جدران بيتها الخشبي. منذ وفاة أمها واختفاء والدها الغامض، أصبحت النافذة صلتها الوحيدة بالعالم الخارجي.

في يومٍ صيفي، مرّ شاب غريب أمام منزلها. كان يحمل آلة تصوير ويتفحص تفاصيل البيوت القديمة. التقت عيناه بعينيها، فتوقف.

– “هل يمكنني تصويرك؟” سألها.

ترددت، ثم ابتسمت بخجل وهزّت رأسها بالإيجاب. التقط لها صورة، ثم جلس تحت ظل الشجرة المقابلة لمنزلها، وعرّف عن نفسه: سليم، مصور صحفي، يبحث عن الجمال المنسي في القرى.

تكررت زيارته كل صباح، وكل مرة كان يجلس ليحدّثها عن العالم، عن مدن لا تنام، وعن أحلام كبيرة.

الصفحة الثانية: ورود وقلوب

في السوق الأسبوعي، رأت ليلى صديقتها القديمة سعاد، فتاة قوية ومرحة تعمل في محل لبيع الأعشاب. لاحظت سعاد التغيير في ملامح ليلى وسألتها ضاحكة:

– “من هذا الذي جعلكِ تفتحين النافذة كل صباح؟”

ابتسمت ليلى وقالت: “هو مجرد عابر… لكن قلبه يشبه القرية، هادئ، صادق، ودافئ.”

لم تكن سعاد الوحيدة التي لاحظت. الحاج فؤاد، الرجل الطيب الذي كان صديقًا لوالد ليلى، بدأ يشعر بالقلق. اقترب منها ذات مساء، وقال:

– “أبوكِ اختفى في ظروف غامضة، ولا نعرف من هذا الشاب… كوني حذرة يا ابنتي.”

لكن قلب ليلى، الذي ظل صامتًا سنوات، بدأ ينبض بالحياة. شعرت أن سليم لا يخفي شيئًا، بل يحمل معه قصة قد تكشف سرًّا كبيرًا.

الصفحة الثالثة: الحقيقة تظهر

ذات مساء، وبينما كانت ليلى تقلب صورًا قديمة لوالدها، لاحظت شيئًا غريبًا. في إحدى الصور، يقف رجلٌ يشبه سليم كثيرًا… كان بجانب والدها، يبتسمان، وهما في زيّ رسمي!

في اليوم التالي، واجهته بالصورة. صمت طويلًا، ثم قال:

– “هذا أبي… ووالدك كان أعز أصدقائه. قُتل والدك في مهمة سرّية قبل سنوات، وأُعلن اختفاؤه. جئت لأكمل ما بدأه، ولأطمئن عليكِ.”

سقط الخبر على ليلى كصاعقة. لم تتخيل أن النافذة التي جمعت بينهما، كانت في الحقيقة نافذة نحو ماضٍ مخفيّ.

الصفحة الرابعة: الوداع والانتظار

غادر سليم القرية فجأة بعد أن سلّم ملفًا مهمًا للشرطة عن حقيقة والد ليلى. لم يودّعها، لكنه ترك رسالة تحت زهرة ياسمين:

“أغلقي النافذة إن أردتِ نسياني، أو دعيها مفتوحة… وسأعود.”

مرّت الشهور، والنافذة ما زالت تُفتح كل صباح.

عادت سعاد لتسألها: “هل ما زلتِ تنتظرين؟”

أجابت ليلى وهي تنظر نحو الأفق:

– “أنا لا أنتظره فقط، بل أنتظر الحقيقة، الحب، والعدل… وكلها تأتي مع النور، من هذه النافذة.”

وهكذا، بقيت نافذة الياسمين مفتوحة، شاهدة على قصة حب لم تكتمل… أو ربما، بدأت للتو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى