نجمة صامتة ٠٠!!
بقلم : السعيد عبد العاطي مبارك الفايد مصر ٠
الشاعرة الإيرانية الشابة التي اغتالتها صواريخ الصهاينة /
بارنيا عبَّاسي ٢٠٢٢ – ٢٠٢٥ م ٠
” كل ليلةٍ أودع قلبي في خزينة البنك
أرقمه بشفرةٍ لا تكتشفها أجهزة الإنذار
لأصغي إلى معدلات الفائدة
فأسمع نبضًا يزداد بطئًا ٠٠ ” ٠
* أليست هي القائلة :
” أنظر إلى كل شيء في حياتي بطريقة تسمح لي بالكتابة عنه”.
( هذا الملف إهداء إلى الشاعر و المترجم الإيراني الصديق / موسى بيدج الذي ينقل لنا تجارب المبدعين هكذا ٠٠!! )
في البداية هذه مأساة الشعراء عبر رحلة الحياة تحت عصف الحروب و الصراعات و المحن و السجن و القتل و المنفى ٠٠
و ثمة شعراء قضوا نحبهم في ضحى العمر في مدن أغتالها القصف في بيروت و بغداد و دمشق و الخرطوم و طهران ٠٠ الخ ٠
و ها هي الشاعرة الإيرانية الشهيدة برنيا عباس أحمد يخطفها القصف الغادر المتوحش الإسرائيلي الذي تعود على قتل الأطفال و النساء و الشيوخ و هدم المدارس و المشافي و دور العبادة ٠٠
لم تكن تعرف وهي تفتح شرفتها في لحظةٍ صادفت إحدى الغارات الجوية العدوانية التي تشنها إسرائيل على طهران ، أنها كانت تكتب قصيدتها الأخيرة.
و من ثم رحلت شاعرتنا “عبَّاسي”،وجميع أفراد عائلتها: والداها وشقيقها خلال الغارات الجوية الإسرائيلية المتوحشة لتصبح جثة هامدة تحت الأنقاض أمام ضمير العالم المتمدن ٠
كتبت في إحدى قصائدها: “أجملُ قصيدة في العالم تُصبح صامتة”
و في صباح الجمعة، 13 حزيران 2025، سقط مبنى سكنيّ في شارع ستّارخان بطهران.
لم يكن السقوط بسبب زلزال، بل بفعل صاروخ إسرائيلي، كما قالت الأخبار.
حقا مأساة ضد الانسانية في صلف الأدارة التي تقتل و تشوه الجمال نكاية في الخير و البحث عن الشر من خلال الصراع و الحرب ٠٠
و في النهاية نحن نقر مبدأ الاعتراف عبر رحلة الشعر و عصور الأدب بأن الصواريخ لا تُخطئ الشعراء لأنهم صوت الحق ورسالة الحياة ٠
و من ثم كل آلة القصف والدمار تقصدهم بالمرصاد لتخرس الحقيقة في كل زمان و مكان ! ٠
نعم (بارنيا عباسي) الشاعرة التي لم تُكمل عامها الرابع والعشرين، كانت تعيش حياة مزدوجة.
تعمل في بنك «ملي إيران»، تُدرّس الإنجليزية، و من ثم عملت مدرسة ٠
وتكتب الشِعر.
تتنقّل بين قزوين وطهران، وتنتظر قبولها في مرحلة الماجستير، وتُحضّر لورشة شعرية جديدة.
كانت تحلم بلقاء أصدقائها قريباً، لتقرأ عليهم نصّاً كتبته ليلاً، على عجل، كما اعتادت أن تفعل.
وُلدت بارنيا عباسي عام 2002. درست الترجمة في جامعة قزوين.
كتبت شعراً منذ سنوات المراهقة، وظلّت تكتب دون صخب.
كانت تحب اللغة البسيطة، وتفضّل القصائد القصيرة، المشغولة باليوميّ والعاطفيّ والخفيف مثل حكايات الهواء.
أجل لقد أحبت الورش الشعرية.
لم تكن تشعر بأن الجامعة تكفي.
و قد قالت تلخص المشهد :
«كلّ ما يحدث لي أشعر أنه مادة صالحة للكتابة، فحين ينتابني التعبير عن الشعور في لحظة ما يأتي الشعر ويمنحني السلام».
و تقول عن فلسفة حياتها كلمات رائعة :
“كل ليلةٍ أودع قلبي في خزينة البنك
أرقمه بشفرةٍ لا تكتشفها أجهزة الإنذار
لأصغي إلى معدلات الفائدة
فأسمع نبضًا يزداد بطئًا.
كلَّما ازداد النهار صلابةً
أعود إلى البيت بحقيبة فارغة
وفي جيبي قطعة نقد واحدة –
وجهها يحمل صورة قمري
وظهرها يرسم نافذة تضيء لثانيةٍ
ثم تنطفئ
تاركة على الحائط ظلَّ امرأة
تحاول اقتلاع الليل بأظافرها”.
و عندما نتأمل شعرها،كثيرًا ما تناولت بارنيا قضايا و مواضيع كالضوء والظلِّ والشوق و الحياة و الوجود و السلام ٠٠
فقصائدها بمثابة نبوءة تكشف الاسرار في ثنائية الصمت و المجتهرة في تباين يتلاقي مع عمق الكلمات في نزعة تؤمن برسالة الكلمة طوق نجاة و خلاص من الشر ٠٠
“ننتهي أنا وأنت في مكانٍ ما
سأحترق؛
سأصير نجمًا منطفئًا
دخانًا في سمائك
القصيدة تمشي الآن وحدها بين الركام،
تخمش بأظافرها الزجاج ٠
و نختم لها بتلك الكلمات التي تترجم لنا حصاد مواسم الشعر في الشباب لتقول :
نجمة صامتة
بكيتُ من أجل الاثنين معاً.
بكيتُ من أجلي
وبكيت من أجلك.
أنت تنفثُ نجوم دموعي في سمائكِ، في عالمكِ،
وتطلق النور في عالمي.
حين تنتهي لعبة الظلال في مكان ما، ننتهي أنا وأنت،
وأجملُ قصيدة في العالم تُصبح صامتة.
أنت تبدأ في مكان ما،
بهمسٍ تصرخ للحياة،
وأنا في ألف مكانٍ
أنتهي
أحترق،
وأصبح تلك النجمة التي انطفأت في سمائك
كالدخان.
رحم الله الشاعرة الإيرانية بارينا عباسي شهيدة الغدر التي اغتالتها صواريخ الصهاينة في ضحى العمر مع غارات لبنان و غزة دائما ٠