قصة

نهاد بين الألم والامل

جريدة موطني

نهاد بين الألم والامل

كتبت الكاتبة : زينب خليفة

تحرير /منة العبد

نهاد فتاه مفعمه بالحيوية من صغرها وحيده والديها،عندها شغف بالرياضه كانت دائما حريصه علي ممارسه الجري والسياحه بمرافقه والدتها و تشترك في الفرق الرياضيه بالمدرسه ثم الجامعه و كانت دائما تحقق مراكز متقدمه وتحب الحياه الاجتماعيه
نهاد كانت في كلية الهندسه حلمت بأن تصبح مهندسة معمارية، حياتها مليئة بالطموحات والألوان. من طفولتها، كانت دائمًا تتسابق مع الريح في الملاعب وتجري في شوارع المدينة. و تعشق التصميم، وتحب أن ترى كيف تتحول الأفكار إلى واقع ملموس.لم يكن هناك تحدٍ كبير لا تستطيع التغلب عليه.

قابلت شاب وسيم اسمه احمد في حفلة جامعية، كأن القدر قد جمعهما معًا.أصبحت حياتهما مليئه بالمرح والرحلات، وقرارات كبيرة عن المستقبل. كانوا يحلمون بحياة مشتركة، ويتحدثون عن مشاريع الجديدة وأحلام مشرقة ،وتقدم لخطبتها ورحب الاب والام وتمت الخطوبه في حفل بسيط يضم العائلتين وسط الفرح والزغاريد
ذات يوم استيقظت نهاد من النوم وهي تشعر بشيء غريب. كانت اعراض جسمانيه تتسلل إلى حياتها بهدوء رويدا رويدا، مثل زائر غير مرغوب فيه. في البداية، شعرت بتعب غير مبرر، وكأن جسدها لم يعد يطاوعها كما كان. كانت تستيقظ من النوم منهكة، وكأنها قضت الليل كله في العمل الشاق.
التعب أصبح جزءًا من حياتها اليومية. كلما حاولت ممارسة الأنشطة التي تحبها، تشعر بأنها تفتقر إلى الطاقة. الذهاب إلى الجامعة، الذي كان يُعتبر مغامرة مثيرة، أصبح مهمة شاقة. كانت تشعر بأن خطواتها تتباطأ، وكلما حاولت التحرك، كان جسدها يتعب أكثر فأكثر، لاحظ آلام والأب تعب ابنتيهما والخوف والقلق عليها يزداد يوما بعد يوم وهي تحاول أن تخفي ما بها وتدعي أنه إرهاق الدراسه ليس لا اكثرثم بدأت الأعراض تزداد سوءًا. شعرت أحيانًا بتنميل في أطرافها. ومع مرور الوقت، بدأ نظرها يتأثر. لم تستطع رؤية الأشياء بوضوح، وبدأت تتخوف من أن تكون الأمور أسوأ مما تتخيل. في أحد الأيام، بينما تحاول قراءة نص في محاضرة، وجدت الكلمات تتداخل أمام عينيها، وكأنها تحاول أن تقرأ من خلال ضباب كثيف.
في تلك اللحظة، أدركت انها تواجه تحديا أكبر.فقدان الرؤية كان له تأثير عميق على حياتها اليومية. كانت تواجه صعوبات في القيام بالأمور البسيطة، مثل قراءة النصوص أو حتى التعرف على الوجوه وفي اليوم التالي
وبدأت تشعر بنوبات من التعب المفاجئ، حيث كانت تتوقف فجأة عن النشاط وتحتاج للراحة.ثم شعرت بخدر في أطرافها،تتالت الأعراض، بتنميل في يديها وقدميها، و تذبذبًا في رؤيتها، كأن الصور تتراقص أمام عينيها.اصر الاب والام من اتخاذ خطوة للكشف عن ما يحدث لجسدها. لكن في أعماقها، كانت تخشى ما يمكن أن تعنيه تلك الخطوة. ماذا لو كانت النتائج سيئة؟ ماذا لو كانت تلك بداية النهاية ؟ ثم قررت أن تذهب للطبيب
عندما دخلت عيادة الطبيب برفقه والديها كان قلبها ينبض بسرعة، وعقلها مليء بالشكوك. كان الأمر مرعبًالهم لكنها كانت تعرف أنها لا تستطيع العيش مع هذا التعب المستمر. ومع ذلك، كان هناك جزء منها يخشى ما قد تسمعه
بعد الفحوصات، جاء الخبر الصادم: “أنتِ مصابة بالتصلب المتعدد”. عندما سمعته شعرت كما لو أن العالم قد انهار من حولها. كيف يمكن لجسدها أن يخونها بهذا الشكل؟ كيف ستستمر في تحقيق أحلامها عندما أصبح كل شيء غير مؤكد؟

في تلك اللحظة، خنقت دموعها صوتها. لكي تصمد امام والديها وتاكدت ان كل ما عانته من تعب ومعاناة كان له سبب، وكل تلك اللحظات التي شعرت فيها بالعجز كانت تؤدي إلى هذا التشخيص. كانت ترى نفسها في مرآة المستقبل، ولكن بدلاً من رؤية الفتاة الطموحة ، رأت شخصًا يواجه تحديات غير متوقعة
كانت تلك الليله عصيبه عليهم حيث خيم الصمت علي المنزل ،جلست نهاد في الصاله ولم تتمالك دموعها،جلس الاب بجوارها هادئا لكنه كان يحمل الما داخلياً لا يستطيع التعبير عنه،الام بصوت متهدج:لماذا يا الله كيف يحدث هذا لابنتي التي كانت في أتم الصحه ،حاول الاب تهدئه آلام ثم قال بصوت حزين الحمدلله علي كل حال ،يا ابنتي انت قويه وستتجاوزين هذه المحنه والله لن يتركك ونحن بجانبك
في اليوم التالي أخبرت احمد بما يحدث، كان رد فعله كما توقعت: الحب والدعم. لكنه أيضًا كان يحمل في قلبه ألمًا عميقًا. قال: “لن أتركك أبدًا، سنواجه هذا معًا.” لكن خلف كلماته، كان هناك شعور بالخوف من فقدانها.
بدأ احمد يبحث عن كل ما يتعلق بالتصلب المتعدد. كان يسعى جاهدًا لفهم حالتها، وكان يتمنى أن يكون القوة التي تحتاجها نهاد ومع كل معاناة تمر بها، كان يتمنى أن يخفف عنها، لكنه يشعر أحيانًا بالعجز
عندما يراها حزينه منكسره وفي تلك الأثناء، كان يدعمها في كل خطوة. كان يحضر دروسًا في كيفية التعامل مع الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وعمل على تجهيز بيئة المنزل بطريقة تناسب حالته
‏ لكن مرضها جعله يمر بتحديات نفسية هو ايضا. كان يحاول أن يظهر أمامها قويا بس لكن داخله شعور بخوف من المستقبل،
كان بيمر بفترات من الشكوك. هل هو سيستمر في دعمه لها بالطريقة اللي تحتاجها؟ كان دائما أمام الكمبيوتر يبحث عن التصلب المتعدد، يحاول فهم طبيعه مرضها أكثر وكيف يمكن له أن يساعدها،كان يتعلم من أجلها اشياء كثيره و يزيد حرصه على أن يكون شريك حياتها مش مجرد سند. لكن في نفس الوقت، كان يشعر بتوتر داخلي . كانت فكرة المرض طويلة الأمد مرعبة بالنسبة له. هل سيكملان حياتهما بكل طبيعي مثل أي زوجين ؟ هل هيكون فيه أطفال؟ هل تستطيع أن ترعاهم
نهاد كانت تشعر بكل هذا كانت تري في عين احمد القلق الذي كان يحاول أن يخفيه عنها. مما جعلها تشعر انها عبء إضافي عليه، لكنها كانن تبني جسر من التواصل بينهما. ربما في بعض الأحيان، كانت تشعر بإن أحمد يفكر في التراجع عن قراره بالزواج بها لكنه كان يطمئنها ب بكلماته، وأفعاله التي تؤكد أنه سعيد أن يكمل حياته معها
ومع مرور الوقت، العلاقة بين أحمد ونهاد بدأت تتطور بشكل أعمق. المرض جعل الحوار بينهما مفتوحا أكتر، اصبحت الصراحة والوضوح أكبر عن مخاوفهم وأحلامهم التي كانوا يخططون من أجلها يظنون أنها تتلاشي بسبب المرض بدأ احمد ياخد دور أكتر فعالية في حياتها، كان يجهز لها الأكل الصحي، و يشجعها على ممارسات تساعدها على التحسن، مثل جلسات العلاج الطبيعي واليوغا.
في يوم من الأيام، بعد شهور من الصراع النفسي والمعنوي، أحمد قرر ياخد نهاد في رحلة قصيرة للمكان الذي تقابلا فيه اول مره. الذي شهد بداية علاقتهما هناك ،امسك بيدها ونظر في عينيها وقال: “بغض النظر عن المرض، أنا لسة عايز أعيش معاكي باقي حياتي. مش مهم التحديات اللي هنتعرض ليها، المهم إننا نبقى مع بعض.” ساعتها، نهاد احسّت إنها لقت السند الحقيقي الذي كانت دائما تحلم به. أحمد لم يكن ليتراجع، بالعكس، كان يتمسك بها أكتر.

اللحظة دي نقطة كانت تحول في علاقتهم. فيها نوع جديد من الحب القائم على الصمود والتفاهم. اصبح بينهم لغة مشتركة، مبنية على الثقة والتقدير في كل لحظه
و الأهداف المشتركة. أحمد ونهاد قرروا إنهم يشتغلوا مع بعض في التوعية بالتصلب المتعدد. بدأوا بورش عمل معًا، أحمد كان يدعمها في كل خطوة، وساعدها إنها توصل صوتها لكل مريض مشتت في بداية تشخيصه محتاج يعرف طريق يصل به الي بداية العلاج وكيفية التعامل مع مرضه و في أحد الأيام، بينما كانت تجلس في غرفة العلاج الطبيعي ، تعرفت على امرأة أخرى تعاني من نفس الحالة. كانت تلك المرأة تحكي قصتها مع المرض بكل رضا وتقبل وتتعايش مع أعراضها ، وبدأت نهاد ولاول مرة منذ تشخيصها تشعر بالأمل والتفاؤل اكثر . كانت تلك اللحظة بمثابة ضوء في نفق مظلم.
‏تدريجيًا، بدأت نهاد تتقبل حالتها. لم يكن الأمر سهلاً، لكنها تعلمت كيفية التعامل مع مشاعر الخوف والقلق. بدأت تتبنى تقنيات جديدة مثل التأمل والاسترخاء، لتساعدها في التغلب على الضغط النفسي
بفضل شغفها وعزيمتها، قررت نهاد أن تضع هدفًا أكبر لنفسها: إنشاء وحدة لرعاية مرضى التصلب المتعدد في محافظتها. كانت تعلم أن هناك الكثير من المرضى الذين يحتاجون إلى الدعم والرعاية، خاصة أولئك الذين لا يستطيعون خدمة أنفسهم.
بدأت نهاد بجمع المعلومات، والتواصل مع جهات مختلفة، وكانت تنظم حملات توعية للتعريف بالمرض ، كانت تسعى لجمع الدعم اللازم لبناء مركز يوفر جميع الاحتياجات اللازمة، مثل العلاج الطبيعي، الأشعة، والأجهزة التأهيلية.
ومع الوقت، تم تحقيق هذا الحلم، وافتتحت الوحدة بفضل جهود نهاد ومساعدة احمد لها المتواصلة ودعم المجتمع. كانت تلك اللحظة بمثابة انتصار كبير لها وللعديد من المرضى الذين كانوا ينتظرون هذه الوحده تدريجيًا،
وعندما تم افتتاح الوحدة، كانت لحظة تاريخية. كانت نهاد واقفة هناك مع أحمد، تنظر إلي الأمل في عيون المرضى داخل الوحده كل واحد منهم كان له قصة، ومعاناة، لكنهم كانوا مجتمعين في المكان ده عشان يحصلوا على الدعم والرعاية. شعرت بسعادة كبيرة وهي بتشوف كيف أن عملها بدأ يؤتي ثماره.
كانت تشعر بالتعب،والمصاعب لكنها في الوقت نفسه تحتاج إلى مقاومة ذلك. تكتب مذكراتها، تُسجل مشاعرها وتجاربها. كانت الكتابة تعطيها متنفسًا، وتساعدها على تنظيم أفكارها.تأتيها الهجمه تلو الأخري تتناول العلاج وتتحسن تدريجيا ثم لم تلبث إلا أن تعود للحياة بكل امل وعزيمه
لكن سلمى لم تتوقف عند هذا الحد. كانت عندها طموحات أكبر لتحقيقها. كانت تخطط لإنشاء مركز متكامل يقدم خدمات طبية، نفسية، واجتماعية للمرضى. أرادت توفير بيئة مريحة وداعمة تساعدهم على التكيف مع حالتهم وتحسين جودة حياتهم. بالإضافة إلى ذلك، كانت تخطط لتوفير برامج علاجية وورش عمل تهدف إلى تعزيز الوعي وتعليم المرضى كيفية التعامل مع حالتهم. كانت تؤمن أن كل مريض لديه الحق في الحصول على رعاية متكاملة، وأنها ستبذل قصارى جهدها لتحقيق ذلك.

ومع مرور الوقت، زادت شعبية الوحدة، وبدأت تستقطب مرضى من مناطق مختلفة. سلمى كانت مش بس بتساعد الناس، لكنها كانت بتلهمهم. كانت تجلس مع كل مريض، تستمع لقصصهم، وتشاركهم تجاربها. تأثرت كثيرًا بشجاعتهم، وكأن كل واحد منهم كان له دور في تشكيل هويتها الجديدة كمدافعة عن حقوق مرضى التصلب المتعدد.

وفي ختام قصتها، تؤكد نهاد على أهمية التوعية بمرض التصلب المتعدد وصعوبة تشخيصه. تشدد على أن العديد من المرضى يعانون في صمت، وأن الأعراض قد تكون غامضة ومعقدة. تدعو الجميع إلى التعرف على هذا المرض، وفهم علاماته، وضرورة الاستماع للمرضى ودعمهم.

تؤمن نهاد أنه من خلال الوعي والمشاركة، يمكن تغيير حياة الكثير من الناس. وأن التحديات التي يواجهها المرضى يمكن التغلب عليها مع الدعم والفهم. تترك سلمى رسالة قوية: “لا تنسوا أن تكونوا صوتًا لمن يحتاجون إلى مساعدة، فكل كلمة، كل جهد، يمكن أن يحدث فرقًا حقيقيًا في حياة الآخرين.”

تلك كانت قصة نهاد، الفتاة التي واجهت التحديات بإرادة لا تنكسر، وتحولت من مريضة إلى داعمه ومدافعه عن حقوق المرضي

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار