
نوبل للسلام أم جائزة الإبادة؟ .. لغز ترامب الدموي في غزة
بقلم : نبيل أبوالياسين
من بين دهاليز السياسة الأمريكية المعقدة، يظهر دونالد ترامب مرة أخرى، هذه المرة بطموح شخصي قد يحمل في طياته بصيص أمل لملايين الفلسطينيين في غزة،
ففي عالم تتسارع فيه وتيرة الجرائم، ويغرق فيه الأبرياء في بحر من التجويع والقصف،
قد يكون السعي الشخصي لرئيس أمريكا نحو جائزة عالمية هو المفتاح غير المتوقع لوقف حمام الدم، إنها معادلة غريبة، لكنها قد تكون الفرصة الوحيدة لإجبار حكومة الاحتلال على الترضخ لمطالب العدالة والإنسانية.
طريق ترامب لنوبل: غزة هي المفتاح
إذا كان دونالد ترامب يسعى حقًا لجائزة نوبل للسلام، فإن طريقه يمر بوقف حرب غزة وقبول الدولة الفلسطينية، وإن احترامه الغريزي للحكومة الإسرائيلية يتعارض مع صورته كـ”صانع صفقات خبير”،
لكن هذه المصلحة الذاتية قد تكون أفضل فرصة لنا لتأمين أدنى اعتبار لحقوق وحياة الفلسطينيين، وترامب وحده يمتلك الرافعة الأمريكية “مبيعات الأسلحة والمساعدات العسكرية” لإجبار الحكومة الإسرائيلية على إنهاء القصف والتجويع، والعدول عن استراتيجية الإبادة التي تتبعها بحق حماس والمدنيين العزل.
الخداع يتكرر: نهاية الرهائن لا تعني نهاية الحرب
لقد غيرت الحكومة الإسرائيلية شروط وقف إطلاق النار من جانب واحد، مطالبة بإطلاق سراح الرهائن وتفكيك حماس دون الالتزام بإنهاء الحرب، وهذا الإنذار رفضته حماس خشية استئناف الهجمات الوحشية على المدنيين، وهو خوف ليس خاملاً، والغالبية العظمى من الرهائن أطلق سراحهم بالتفاوض لا بالعمل العسكري، والهدف الحقيقي قد يكون ترحيل الفلسطينيين قسرًا، وهو حلم اليمين المتطرف الإسرائيلي، وبدعم ترامب لترحيل مليوني فلسطيني – جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية – يشعر نتنياهو بالضوء الأخضر.
تهديدات القنابل: لعبة الإبادة المروعة
يعتقد نتنياهو وترامب أن القوة العسكرية الساحقة ستجبر حماس، وقد استأنف ترامب تسليم القنابل الضخمة التي يبلغ وزنها 2000 رطل، والتي كان بايدن قد علقها بسبب استخدام إسرائيل لها في تدمير أحياء فلسطينية بأكملها، وهذه القنابل المدمرة ليست مجرد أدوات حرب، بل هي أدوات إبادة جماعية، والمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ألمح إلى أن هذا القصف العشوائي قد يكون محور اتهاماته بجرائم الحرب، مما يضع ترامب نفسه في خطر اتهامه بالمساعدة والتحريض على هذه الفظائع.
طريق نوبل الملطخ بالدم: مسؤولية ترامب وشراكته
إن من يسعى للحصول على جائزة نوبل للسلام لا يمكن أن تكون يداه ملطختين بدماء الأبرياء، ولا يدعم جرائم الحرب، كما لا يجوز له أن يقوّض العدالة الدولية لمصلحة طرف آخر أو حتى مصالح بلاده، ولا ينتهك القوانين الدولية، فضلاً عن ذلك، يُفترض به أن يتعامل كرئيس دولة عظمى مؤسسة لميثاق الأمم المتحدة، ويستخدم حق النقض “الفيتو” لحماية الشعوب لا لإبادتها وتجويعها، إنما ما نراه هو أن ترامب يلهث وراء جائزة نوبل بعيدة كل البعد عن مداه، وهنا نقول إنه من العدالة أن يتم محاكمته كشريك في كافة جرائم الحرب والتجويع في غزة، فالعالم يشاهد عن كثب، ويرى كل يوم مجازر تبث على المباشر وموثقة بكاميرات الجيش الإسرائيلي وجنوده الذين يتباهون بقتل الأطفال والنساء.
تحولات ترامب: بوتين يرفع الرهانات
ترامب الذي اعتاد تصعيد التوتر بالخطابات والرسوم الجمركية، يواجه الآن خصمًا لا يرحم كـ”بوتين”، الذي يرفع الرهانات ليس بالتهديدات بل بالأرواح البشرية، وهذا التحول في موقف ترامب من تقديس بوتين إلى انتقاده اللاذع يفتح آفاقًا جديدة لأوكرانيا، ورغم أن دوافعه قد تكون شخصية، إلا أن إدراكه لعدم جدوى إقناع بوتين بالسلام قد يدفعه لممارسة المزيد من الضغط، عبر زيادة الدعم العسكري لأوكرانيا أو فرض عقوبات على روسيا وحلفائها.
الأرقام الدامغة: جرائم صنع في أمريكا
لا يمكن فصل مسار ترامب السياسي عن الإحصاءات المروعة في غزة، حيث تجاوز عدد الضحايا 57 ألفًا شهيد، 70% منهم من النساء والأطفال بالاضافه لـ 136879 جريح وفقًا لبيانات الأمم المتحدة، والمفارقة الصادمة أن 90% من الذخائر المستخدمة في هذه المجازر تحمل شعار “صنع في الولايات المتحدة”، بما في ذلك القنابل الذكية التي أقر ترامب بنفسه تصديرها بعد تعليق بايدن، تقارير المراقبين الدوليين تؤكد أن القنابل الأمريكية من عيار 2000 رطل دمرت 45% من البنية التحتية السكنية في غزة، مما يجعل واشنطن شريكًا مباشرًا في جرائم الحرب.
المعادلة الانتخابية: دم الفلسطينيين مقابل أصوات أمريكية.
تحليل دوافع ترامب يكشف عن معادلة سياسية قاسية:
• اللوبي الإسرائيلي أنفق 107 مليون دولار على الضغط السياسي في 2023 وحده “وفق مركز CRP”
• استطلاعات الرأي تظهر تراجع دعم إسرائيل بين الناخبين الديمقراطيين بنسبة 38%
72% من الناخبين الشباب الأمريكيين يعارضون تمويل الحرب على غزة، وهذه الأرقام تضع ترامب أمام مفترق طرق: إما الاستمرار في دعم المجازر وخسارة قاعدة انتخابية حاسمة، أو استخدام نفوذه لوقف الحرب والظهور كبطل سلام لحظة يحتاج فيها إلى 2% فقط من الأصوات في الولايات المتأرجحة، والسيناريو الأخير قد يمر عبر “صفقة القرن 2.0” التي تُكرّس التهجير القسري كحل دائم، وهو ما كشفت عنه تسريبات البيت الأبيض الأخيرة.
نوبل للسلام أم جائزة الإبادة؟ .. لغز ترامب الدموي في غزة
وأختم مقالي: نوبل أم وصمة العار؟
إن طموحات ترامب الشخصية، وإن بدت سخيفة، قد تكون السبيل الوحيد لإجبار نتنياهو على سلوك طريق أكثر إنسانية، وحل الدولتين يظل الخيار الأفضل، وهو شرط أساسي لتطبيع العلاقات مع دول كالسعودية وغيرها من الدول العربية، ولكن التحدي الأكبر يكمن في إقناع ترامب بفعل “الشيء الصحيح للسبب الخاطئ”، فهل يختار ترامب جائزة نوبل التي سيكسبها بوقف الإبادة في غزة، أم يفضل أن يخلد اسمه بوصمة عار بدعم جرائم تُكرر مآسي التاريخ؟ التاريخ سيحكم، ودماء غزة تنتظر العدالة.