
هل نحن أحفاد الفراعنة حقًا؟ الجينوم المصري القديم يُجيب!
بقلم الجيوفيزيقي محمد عربي نصار
في منتصف صيف 2025، دوّى خبر علمي هزّ الأوساط الأكاديمية حول العالم: علماء الجينات نجحوا لأول مرة في تحليل الجينوم الكامل لإنسان مصري عاش قبل ما يزيد عن 4800 عام، ودُفن في إناء فخاري محكم قرب قرية النويرات في بني سويف. ما كشفته هذه الدراسة – التي نُشرت في مجلة Nature العريقة – لم يكن مجرد سبق علمي، بل كان أشبه بمفتاح ذهبي فتح بوابة فهم جديد لهوية المصريين القدماء، وربما العرب والأفارقة والشرق أوسطيين على السواء.
الحقيقة في عظمة التفاصيل
لم يكن الرجل الذي دُفن في إناء من الفخار يعلم أن جسده المتحلل سيصبح، بعد آلاف السنين، موضع جدل بيولوجي، وساحة علمية تكشف من خلالها جينات مصر القديمة أسرارها.
لقد تمكّن الفريق البحثي – الذي ضم أكثر من 20 عالِمًا من جامعات مرموقة – من استخراج الحمض النووي من أسنانه، وهي إحدى أنسجة الجسم القليلة التي تحتفظ بالمادة الوراثية رغم مرور الزمن الطويل.
وعندما بدأت قراءة الشيفرة الوراثية، كانت المفاجأة:
نسبة 80% من الجينوم تعود إلى سكان شمال شرق إفريقيا، وهو ما يعني أن المصري القديم كان أفريقي الأصل بامتياز، لا ينتمي إلى أية مجموعات جينية أوروبية أو آسيوية كما زعم البعض في السابق.
أما النسبة المتبقية – نحو 20% – فقد حملت إشارات ضعيفة إلى الهلال الخصيب، وتحديدًا العراق وسوريا، ربما بسبب تواصل قديم عبر سيناء أو زواج عبر الحدود. لكنّها لم تكن كافية بأي حال لتغيير الملامح الوراثية الأصلية.
مصر… ليست مسرحًا للوافدين
منذ عقود، والناس يختلفون حول سؤال بسيط في مظهره، عميق في جوهره:
هل كان المصري القديم إفريقيًا؟ آسيويًا؟ أمازيغيًا؟ هل كانت مصر أرضًا للمهاجرين أم موطنًا أصيلًا لحضارة محلية مستقلة؟
الدراسة الأخيرة وضعت النقاط على الحروف: المصريون القدماء، كما يبدو من عيّنة النويرات، هم أبناء بيئتهم، يحملون ملامحها وجيناتها، عاشوا على ضفاف النيل منذ آلاف السنين، وتركوا بصمة لا يمكن تزييفها.
هذا لا ينفي وجود تفاعلات جينية مع الجوار، لكنه يؤكد أن الهوية الجينية ظلت محلية، وأن مصر لم تكن مجرد ممر أو محطة، بل كانت مركزًا حضاريًا له جذور راسخة.
وإذا عرف السبب… بطل العجب
هل تتساءل لماذا أثارت هذه الدراسة كل هذا الجدل؟
لأنها ببساطة جاءت في وقت يعج بالتفسيرات المختلطة. البعض في المغرب العربي يزعم أن الفراعنة من الأمازيغ، وآخرون في العراق يروّجون لنظرية الأصل السومري للحضارة المصرية، وفريق ثالث يتحدث عن تأثير كنعاني أو فينيقي أو يمني.
لكن العلم لا يعرف العاطفة.
والجين لا يُجامل.
والدليل لا يهادن أحدًا.
ما وراء الجينوم: إعادة تعريف الهوية
إن تحليل الحمض النووي لا يكشف فقط عن الأصول، بل يعيد بناء قصة الإنسان من جديد: من أين أتى؟ كيف عاش؟ مع من تزاوج؟ وكيف تشكلت حضارته؟
والإجابة اليوم باتت أكثر وضوحًا:
نعم، نحن أحفاد الفراعنة.
لا لأننا نعيش على أرضهم فقط، بل لأننا نحمل في خلايانا إرثهم البيولوجي.
وهنا، يكمن الفرق بين الادعاء والانتماء.
الادعاء يرتكز على أمنية، أما الانتماء فمصنوع من دم وعظم وجين.
رسالة أخيرة للقارئ
إذا أردت أن تعرف من أنت، فلا تفتش فقط في كتب التاريخ، بل اسأل جيناتك.
وإذا أردت أن تفخر بمصريتك، فلا تبحث عن تصديق من الخارج، بل انظر إلى الداخل، إلى ما يقوله الحمض النووي، إلى ما يرويه العلم، إلى ما تؤكده الأرض.
مصر ليست مجرد حضارة… إنها سلالة.
والفراعنة ليسوا رموزًا من الماضي، بل جذور حية تنبض فينا.
هل نحن أحفاد الفراعنة حقًا؟ الجينوم المصري القديم يُجيب!