
هنا نابل إلى أمي … عذرًا يا قلب الحياة
بقلم المعز غني
إلى أمي … عذرًا يا قلب الحيا
أمي الحبيبة،
أكتب إليك اليوم وكأنني أبعث برسالة إلى السماء ، أرفع كلماتي مع أنفاسي الثقيلة ، علّها تصل إلى حيث أنتِ ، في دار الخلود…
أكتب إليك لا لألوم القدر ، بل لأعتذر … أعتذر لأن عمري مضى وأنا لم أشبع منكِ ، لم أملأ قلبي من حنانك ، لم أقبّل يديكِ كما كنتِ تستحقين ، ولم أقول لكِ “أحبك” بالقدر الذي يليق بكِ.
هنا نابل إلى أمي … عذرًا يا قلب الحياة
أمي الحبيبة ،
سامحيني …
سامحيني لأنني سمحت للدنيا أن تسرقني منك ، أن تُشغلني عنكِ أن تسرق وقتي وجهدي وكل لحظة كان يجب أن تكون بين يديكِ. سامحيني يا أمي على الأيام التي مرّت دون أن أُدرك أن الوقت معك هو الحياة نفسها ، وأن رحيلك سيكون كسرًا لا يُجبر ، وغيابًا لا يُعوّض.
أتذكرين ، يا أمي عندما كنتِ تهونين عليّ كل ألم؟
كان يكفيني أن أنظر في عينيكِ لأشعر أن الدنيا بخير ، وأن كل تعب يذوب في دفء حضنك.
كنتِ الملاذ من تعب الحياة ، والسكينة في وجه العاصفة واليوم بعد مرور ثمانية سنوات ( 2017/ 2025 )على رحيلك ، عرفت المعنى الحقيقي للوجع … للخذلان … للفقد.
أمي الحبيبة … أمي الحنون ….
كل ما كان يؤلمني قبل رحيلك أصبح تافهًا وكل الأحلام التي كنت أرسمها صارت بلا طعم ، والطموح الذي كان يشعل قلبي صار رمادًا.
بعدكِ فقدت البوصلة ، وتاهت خطواتي وصارت الحياة بلا ضوء. كنتِ أنتِ النور ، فكيف للظلام أن يحتويني ولا أخاف؟ كنتِ الأمان ، فكيف للضياع أن يمر بي وأظل واقفًا؟
يا أمي الحبيبة ،
كم كنت عظيمة ، صامتة ، تُخفي في قلبكِ الجراح حتى لا نراها ، تضحكين رغم الألم ، وتمنحين رغم الفقر ، وتحبين رغم التعب.
لم تطلبي شيئًا لنفسك ، فقط كنتِ تسألين الله لنا الخير حتى وإن خذلكِ الجميع ولم تخذلينا.
أمي الحنون ،
أنا آسف … آسف لأنكِ رحلتِ دون أن أُكافئك ، دون أن أُهديكِ جزءًا من السعادة التي وهبتِها لي ، آسف على الدموع التي نزلت من عينيكِ بسبب حزنٍ لم أعرفه ، أو كلمة لم أنتبه أنها جرحتك ، أو لحظة لم أكن فيها كما كنتِ تتمنين.
يا من كنتِ وطنًا ، لم أعد أعرف نفسي في غيابك.
أفتقدك في تفاصيل الأيام ، في دعائك الصباحي ، في همساتك ، في نظراتك التي كانت تحتوي العالم كله.
كم كنتِ حنونة ، صبورة ، قوية رغم كل شيء.
رحلتِ عنا ، لكنكِ لم ترحلي من قلبي.
أعيش على ذكراك ، على رائحة ملابسك ، على صورك ، على صوتك الذي يرن في أذني كل ليلة.
أعود لطفولتي ، وأتمنى لو كنت طفلًا لا يكبر ، لا يترك حضنك ، لا يعرف ماذا تعني كلمة ” موت ” و ” الفراق ”
أمي الحبيبة ،
لو كان العمر يُهدى ، لأهديتكِ ما تبقّى من عمري ، لو كان الفقد يُقايض لافتديتك بروحي ، ولكنها أقدارنا ولا نملك إلا الصبر والدعاء لك بالرحمة والمغفرة والعتق من النار .
اللهم أجعل قبر أمي روضةً من رياض الجنة، اللهم أجعلها في عليين ، وأجمعني بها في الفردوس الأعلى.
وداعًا يا أمي ، ولكِ مني وعد لا يخون : سأدعو لكِ كل يوم ، وأُخبر الدنيا أنكِ كنتِ وما زلتِ أعظم النساء…